الموقع في مرحلة التجربة
تعريف الاستحداد وحكمه
تعريف الاستحداد لغة واصطلاحًا
الاستحداد لغة:
مأخوذ من الحديدة، يقال: استحد، إذا حلق عانته، قال أبو عبيدة - كما في تاج العروس -: الاستحداد: استفعال من الحديدة؛ يعني الاحتلاق بالحديد، استعمله على طريق الكناية والتورية [1].
الاستحداد اصطلاحًا:
لا يفترق المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي؛ حيث عرفه الفقهاء بقولهم: الاستحداد حلق العانة[2].
وقال النووي: الاستحداد: إزالة شعر العانة، هو الذي حول الفرج، سواء إزالته بنتف أو نورة أو حلق، مأخوذ من الحديدة، وهي الموسى التي يحلق بها[3].
وعرفه النفراوي من المالكية، فقال: حلق العانة: هي ما فوق العسيب والفرج، وما بين الدبر والأنثيين[4].
وقد روى البخاري في (صحيحه)، قال: حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سيار، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما أن النبي ﷺ قال: ((إذا دخلت ليلاً، فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة))، قال: قال رسول الله ﷺ: ((فعليك بالكيس الكيس))[5].
حكم الاستحداد:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الاستحداد سنة[6].
وقيل: الاستحداد واجب، اختاره ابن العربي والشوكاني.
دليل الجمهور على الاستحباب:
(488 - 52) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمعت النبي ﷺ يقول: ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط))[7].
قال ابن قدامة: وهو - يعني الاستحداد - مستحب؛ لأنه من الفطرة، ويفحش بتركه[8].
وقال النووي: معظم هذه الخصال ليست بواجبة عند العلماء، وفي بعضها خلاف في وجوبه كالختان، والمضمضة والاستنشاق [9]، ولا يمتنع قرن الواجب بغيره، كما قال تعالى: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141][10]، والإيتاء واجب، والأكل ليس بواجب[11].
دليل القائلين بالوجوب:
قال ابن العربي: "والذي عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين؟"[12].
ومما يدل على الوجوب ما رواه أحمد، قال: ثنا يحيى، عن يوسف بن صهيب (ح) ووكيع، ثنا يوسف، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ قال: ((من لم يأخذ من شاربه فليس منا))[13].
[إسناده صحيح] [14].
فهذا الحديث يدل على أن الأخذ من الشارب واجب، بل لو قيل: إن تاركه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب لم يكن بعيدًا لهذا العقاب.
فهذا الحديث، والحديث الذي قبله يدلان أن سنن الفطرة ليست مستحبة؛ وإنما هي واجبة، والاستحداد من سنن الفطرة.
فرع:
إذا قلنا بأن الاستحداد سنة: فهل له أن يجبر زوجته على الاستحداد؟
قيل: له أن يجبرها إذا طال، وهو أصح القولين في مذهب الشافعية[15]، وقولاً واحدًا في مذهب الحنابلة[16].
وقيل: ليس له إجبارها حتى يفحش بحيث ينفر التواق[17].
والراجح أن لكل الزوجين أن يجبر الآخر على التنظف له، وهو من العشرة بالمعروف المأمورِ بها الزوجُ بقوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19][18].
وكما أنه يجب للزوج على الزوجة، يجب على الزوج أيضًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ﴾ [البقرة: 228][19].
--------------------------------
⟦1⟧ تاج العروس (4/ 412).
⟦2⟧ نيل الأوطار (1/ 141).
⟦3⟧ تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 253).
⟦4⟧ الفواكه الدواني (2/ 306).
⟦5⟧ صحيح البخاري (5246) ومسلم (715).
⟦6⟧ انظر في المذهب الحنفي: كتاب البحر الرائق (1/ 50)، معالم القربة في طلب الحسبة (ص: 199)، وفي المذهب المالكي: قال في التمهيد (21/ 61): " قال مالك: وأحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال". وانظر: التمهيد (21/ 68)، والثمر الداني شرح رسالة القيرواني (ص: 682)، الفواكه الدواني (2/ 306)، وحاشية العدوي (2/ 577)، كفاية الطالب (2/ 579).
وفي المذهب الشافعي انظر: المجموع (1/ 342)، وأسنى المطالب (1/ 550)، وإعانة الطالبين (2/ 85). وفي فقه الحنابلة انظر: الكافي (1/ 22)، المغني (1/ 64)، كشاف القناع (1/ 76)، شرح منتهى الإرادات (1/ 45)، مطالب أولي النهى (1/ 85).
⟦7⟧ صحيح البخاري (5891)، ومسلم (257).
⟦8⟧ المغني (1/ 64).
⟦9⟧ جاء ذكر المضمضة والاستنشاق في حديث عائشة عند مسلم ((عشر من الفطرة...)) وقد سبق الكلام عليه.
⟦10⟧ الأنعام: 141.
⟦11⟧ شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 148).
⟦12⟧ نقله عنه الصنعاني في العدة شرح العمدة (1/ 351).
⟦13⟧ مسند أحمد (4/ 366، 368).
⟦14⟧ رجاله كلهم ثقات، وسبق الكلام عليه.
⟦15⟧ قال الشافعي في الأم (5/ 8): وله - يعني: الزوج - أن يجبرها - يعني: زوجته الذمية - على النظافة بالاستحداد. اهـ
وإذا كان هذا في حق الزوجة الذمية التي لم تلتزم بالإسلام، فما بالك بالمرأة المسلمة التي قد التزمت أحكامه؟
وفي المجموع (1/ 342) قال النووي: "فيه قولان مشهوران، أصحهما الوجوب، وهذا إذا لم يفحش بحيث ينفر التواق، فإن فحش بحيث نفره وجب قطعًا".
⟦16⟧ قال ابن قدامة في المغني (7/ 225): "وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة، رواية واحدة ذكره القاضي". وانظر الإنصاف (8/ 351). والمقصود بالتواق: أي الذي يتوق إلى الجماع.
⟦17⟧ المجموع (1/ 342).
⟦18⟧ النساء: 19.
⟦19⟧ البقرة: 228.
