تخريج حديث أسامة بن عمير في إعادة الوضوء من القهقهة في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

روى الدارقطني:
من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، حدثني الحسن بن دينار، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه، قال: «بينا نحن نصلي خلف رسول الله ﷺ إذ أقبل رجل ضرير البصر، فوقع في حفرة، فضحكنا منه، فأمرنا رسول الله ﷺ بإعادة الوضوء كاملاً، وإعادة الصلاة من أوله».

اضطرب فيه ابن إسحاق:
فقيل:
عن إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه.
وقيل:
عن محمد بن مسلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه به.
وقيل:
عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن خالد الحذاء، عن أبي المليح، عن أبيه.

فأما رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه:
فقد أخرجها الدارقطني كما في إسناد الباب، ومن طريق الدارقطني.
رواه البيهقي في (الخلافيات) (684)، وأخرجه ابن عدي في (الكامل) (2/ 302) ومن طريقه ابن الجوزي في (العلل المتناهية) (613)، وفي (التحقيق) (235) من طريق إبراهيم بن سعد به.

قال ابن الجوزي في (العلل):
وهذا لا يصح، وابن دينار هو الحسن، وقد كذبه العلماء، منهم شعبة. اهـ

وقال البخاري في (تاريخه الكبير):
تركه يحيى وابن مهدي ووكيع وابن المبارك. (2/ 292)

وقال النسائي:
متروك. (تهذيب التهذيب) (2/ 240).

وقال أحمد:
لا أكتب حديثه. المرجع السابق.

وأما رواية محمد بن مسلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه به:
فقد أخرجها الدارقطني في (سننه) (1/ 162) والبيهقي في (الخلافيات) (683).

قال الدارقطني:
الحسن بن دينار: متروك الحديث. اهـ

ورواه الدارقطني (1/ 163) من طريق داود بن المحبر، نا أيوب بن خوط، عن قتادة، عن أنس.
قال الدارقطني:
رواه داود بن المحبر، وهو متروك، يضع الحديث، عن أيوب بن خوط، وهو ضعيف. اهـ

ورواه الدارقطني (1/ 162) من طريق عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة، نا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن أبي العالية وأنس بن مالك، عن النبي ﷺ.
قال الدارقطني:
لم يروه عن سلام غير عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة، وهو متروك يضع الحديث.

قلت:
المعروف من رواية قتادة أنه يرويه عن أبي العالية مرسلاً.
فقد أخرجه عبدالرزاق في (مصنفه) (3761)، من طريقه الدارقطني (1/ 163) والبيهقي في (الخلافيات) (696):
عن معمر، عن قتادة، عن أبي العالية، عن النبي ﷺ مرسلاً.
كما أخرجه الدارقطني (1/ 163) والبيهقي في (الخلافيات) (695،694):
من طريق أبي عوانة، وابن أبي عروبة فرَّقهما.
وأخرجه الدارقطني (1/ 163):
من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي العالية مرسلاً.
وأخرجه الدارقطني (1/ 163):
من طريق سلم بن أبي الذيال، عن قتادة، قال: بلغنا عن النبي ﷺ... مثله.

قال الدارقطني:
وهذا هو الصحيح عن قتادة، اتفق عليه معمر وأبو عوانة وسعيد بن أبي عروبة وسعيد بن بشير، فرووه عن قتادة، عن أبي العالية، وتابعهم عليه سلم بن أبي الذيال، عن قتادة، فأرسله، فهؤلاء خمسة ثقات رووه عن قتادة، عن أبي العالية مرسلاً، وأيوب بن خوط وداود بن المحبر وعبدالرحمن بن عمرو بن جبلة والحسن بن دينار كلهم متروكون، وليس فيهم من يجوز الاحتجاج بروايته لو لم يكن له مخالف، فكيف وقد خالف كل واحد منهم خمسة ثقات من أصحاب قتادة؟ اهـ


وأما رواية ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن خالد الحذاء، عن أبي المليح، عن أبيه، فقد ذكرها الدارقطني (1/ 161).
قال الدارقطني:
وأما قول الحسن بن عمارة، عن خالد الحذاء، عن أبي المليح، عن أبيه، فوهم قبيح؛ وإنما رواه خالد الحذاء، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية، عن النبي ﷺ.
رواه عنه كذلك: سفيان الثوري وهشيم ووهيب وحماد بن سلمة وغيرهم، وقد اضطرب فيه ابن إسحاق في روايته عن الحسن بن دينار لهذا الحديث:
فمرة رواه عنه عن الحسن البصري.
ومرة رواه عنه عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه.
وقتادة إنما رواه عن أبي العالية مرسلاً عن النبي ﷺ.
كذلك رواه عنه سعيد بن أبي عروبة ومعمر وأبو عوانة وسعيد بن بشير وغيره...
إلخ كلامه - رحمه الله تعالى.

ثم ساق في (سننه) (1/ 168) بأسانيده رواية الثوري وحماد ووهيب بن خالد فرقهم عن خالد الحذاء، عن حفصة، عن أبي العالية، عن النبي ﷺ، مخالفين بذلك الحسن بن عمارة.

كما رواه حفص بن سليمان المنقري، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية مرسلاً.

وهذه متابعة لرواية خالد الحذاء من طريق الثوري، وحماد، ووهيب، عنه.

وقد رواه الحسن البصري، واختلف عليه فيه:
فرواه الدارقطني (1/ 165):
من طريق سفيان بن محمد الفزاري، عن عبدالله بن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن أنس.
وخالف موهب بن يزيد: سفيان بن محمد، فرواه الدارقطني (1/ 166):
من طريق موهب بن يزيد، نا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن الحسن، عن النبي ﷺ مرسلاً، ليس فيه ذكر أنس.
وهذا الطريق هو الصحيح من حديث ابن وهب.

قال الدارقطني:
سفيان بن محمد كان ضعيفًا سيئ الحال في الحديث.
وأحسن حالات سفيان بن محمد أن يكون وهم في هذا الحديث على ابن وهب، إن لم يكن تعمد ذلك في قوله: عن الحسن عن أنس.
فقد رواه غير واحد عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن الحسن مرسلاً، منهم خالد بن خداش المهلبي، وموهب بن يزيد، وأحمد بن عبدالرحمن بن وهب وغيرهم، لم يذكر أحد منهم في حديثه عن ابن وهب في الإسناد: أنس بن مالك، ولا ذكر فيه بين الزهري والحسن سليمان بن أرقم.
وإن كان ابن أخي الزهري وابن عتيق قد روياه عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن مرسلاً، عن النبي ﷺ.
فهذه أقاويل أربعة عن الحسن كلها باطلة؛ لأن الحسن إنما سمع هذا الحديث من حفص بن سليمان المنقري، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية الرياحي مرسلاً عن النبي ﷺ.
اهـ كلام الدارقطني.

فرجعت رواية الحسن إلى رواية أبي العالية المرسلة.

وقد روى الدارقطني في (سننه) (1/ 164) بإسناده عن علي بن المديني، قال:
قال لي عبدالرحمن بن مهدي: هذا الحديث يدور على أبي العالية.
فقلت: قد رواه الحسن مرسلاً؟
فقال: حدثني حماد بن زيد، عن حفص بن سليمان المنقري، قال: أنا حدثت به الحسن عن حفصة، عن أبي العالية.
فقلت: قد رواه إبراهيم مرسلاً؟
فقال عبدالرحمن: حدثني شريك، عن أبي هاشم، قال: أنا حدثت به إبراهيم، عن أبي العالية.
فقلت: قد رواه الزهري مرسلاً؟
فقال: قرأته في كتاب ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن. اهـ

فرجعت رواية الزهري المرسلة إلى رواية الحسن.

ورواية الحسن سبق لنا أن مردها إلى مرسل أبي العالية، والله أعلم.
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *