أقسام المياه

اختلف العلماء في أقسام المياه: 

فقيل: ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس.
وهو قول الجمهور[1].

وقيل: قسمان: طهور، ونجس.
وهو رواية عن الإمام أحمد، وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته[2]، وذكره ابن تيمية مذهبًا لأبي حنيفة[3]، ومال إليه ابن قدامة[4]، واختاره ابن تيمية[5]، والشوكاني[6].

أدلة القائلين بأن الماء ثلاثة أقسام:
الدليل الأول:
من القرآن قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} الآية[7].

وجه الاستدلال:
الماء ورد في الآية مطلقًا لم يقيد بشيء، والماء المطلق هو الماء الباقي على خلقته.
أما الماء المتغير، فلا يسمى ماء مطلقًا؛ إنما يضاف إلى تلك المادة التي يتغير بها كماء ورد أو زعفران أو ماء غريب، أو ماء مستعمل ونحو ذلك.
إذًا:
دلت الآية على أن الطهارة بالماء المطلق، فإن لم يوجد انتقلنا إلى التيمم[8].

الدليل الثاني:
ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبدالرحمن، عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال في ماء البحر: ((هو الطهور ماؤه، الحلال ميتتُه))[9].
[الحديث صحيح][10].

وجه الاستدلال:
الصحابة - رضي الله عنهم - يعلمون أن ماء البحر ليس بنجس، فإذًا هو طاهر عندهم بلا شك، ولكن هذا الصحابي لا يعلم هل هو طهور أم لا؟ لذلك سأل النبي الله ﷺ عن ذلك، فدل ذلك على أنه قد استقر في ذهن الصحابة أن هناك ماء طاهرًا وليس بطهور[11].

الدليل الثالث:
استدل أيضًا من يقسم الماء إلى ثلاثة بأحاديث النهي عن الاغتسال في الماء الراكد، وبالنهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها إذا استيقظ من نوم الليل.
وأترك ذكر متون هذه الأحاديث؛ لأنها سوف تأتي مسألةً مسألة.

وجه الاستدلال:
أن هذه المياه مع كونها ليست نجسة فقد ورد النهي عن الاغتسال فيها ومنها كالاغتسال في الماء الراكد، فكونه يوجد ماء ليس بنجس ولا يمكن التطهر منه، هذا هو الماء الطاهر؛ لأن الماء الطاهر ليس بنجس، ولا يمكن التطهر منه[12].

الدليل الرابع: من النظر:
قالوا: الماء إما أن يجوز الوضوء به أو لا، فإن جاز فهو الطهور، وإن لم يجز فلا يخلو، إما أن يجوز شربه أو لا، فإن جاز فهو الطاهر، وإلا فهو النجس[13].


أدلة القائلين بأن الماء قسمان:
الدليل الأول:
من القرآن قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا}[14].

وجه الاستدلال:
أن كلمة "ماء" نكرة في سياق النفي؛ فتعم كل ماء، سواء كان مطلقًا أو مقيدًا، مستعملاً أو غير مستعمل، خرج الماء النجس بالإجماع وبقي ما عداه على أنه طهور[15].

وقال ابن المنذر:
قال - تعالى -: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}[16]. فالطهارة على ظاهر كتاب الله بكل ماء، إلا ما منع منه كتاب أو سنة أو إجماع، والماء الذي منع الإجماع الطهارةَ منه هو الماء الذي غلبت عليه النجاسة بلون أو طعم أو ريح[17].

الدليل الثاني:
ما رواه أحمد، قال: ثنا عبدالصمد بن عبدالوارث، ثنا عبدالعزيز بن مسلم، قال: ثنا مطرف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط بن أيوب[18]، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: انتهيت إلى النبي ﷺ وهو يتوضأ من بئر بضاعة، فقلت: يا رسول الله، توضأ منها وهى يلقى فيها ما يلقى من النتن؟ فقال: ((إن الماء لا ينجسه شيء))[19].
[حديث صحيح بشواهده][20].
وجه الاستدلال من الحديث:
أن حديث أبي سعيد أثبت قسمًا من الماء، وهو الماء الطهور، وثبت الماء النجس بالإجماع، فهذان قسمان من الماء؛ أحدهما ثبت بحديث أبي سعيد، والآخر ثبت بالإجماع، وبقي الماء الطاهر لا دليل على ثبوته؛ فيكون الماء قسمين: طهورًا ونجسًا، ولا ثالث لهما.
أو يقال:
الحديث أثبت طهورية الماء، وأنه لا ينجسه شيء، فالماء إذًا باق على طهوريته لا يخرج منها إلا بإجماع، وهذا لا يكون إلا بتغيره بالنجاسة.

الدليل الثالث:
ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته - أو قال فأوقصته - قال النبي ﷺ: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا))[21].

الدليل الرابع:
ما رواه البخاري، قال: حدثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدثني مالك، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: دخل علينا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين توفيت ابنته، فقال: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني))، فلما فرغنا آذناه، فأعطانا حقوه، فقال: ((أشعرنها إياه))؛ تعني إزاره[22].
وجه الاستدلال من الحديثين:
قالوا:
الماء إذا أضيف إليه السدر لا بد أن يتغير، وإذا كان هذا المتغير بشيء طاهر يطهر الميت، فطهارة الحي كطهارة الميت، فما طهر الميت طهر الحي[23].

الدليل الخامس:
ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبدالملك بن عمرو وابن أبي بكير، قالا: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم هانئ قالت: اغتسل النبي ﷺ وميمونة من إناء واحد قصعة فيها أثر العجين[24].
[إسناده صحيح][25].
وجه الاستدلال:
أن هذا الماء لا بد أن يتغير من العجين، لا سيما في آخر الأمر إذا قل الماء وانحل العجين، ولم يمنع هذا من اغتسال النبي ﷺ وزوجه، فدل هذا على أن الماء إذا تغير بشيء طاهر يبقى طهورًا، ولا يتحول إلى طاهر غير مطهر[26].

الدليل السادس:
ما رواه البخاري، قال: حدثنا علي بن عبدالله، قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، قال: أخبرني كريب، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي ﷺ فلما كان في بعض الليل قام رسول الله ﷺ فتوضأ من شن معلق... الحديث قطعة من حديث طويل(27).
وجاء في الصحيحين[28]، من حديث عمران بن حصين الطويل في قصة انتفاع النبي ﷺ وأصحابه من ماء مزادة امرأة مشركة، واغتسال من أصابته جنابة منها.
وجه الاستدلال:
أن هذه الأسقية لا بد أن تؤثر في الماء في طعمه ولونه ورائحته، ولم يمنع هذا من التطهر منه، ولم يتحول الماء إلى كونه طاهرًا في نفسه غير مطهر لغيره، فدل على أن الماء قسمان لا ثالث لهما: طهور ونجس[29].

الدليل السابع:
من النظر، قالوا:
إثبات قسم من الماء لا طهور ولا نجس، الحاجة إلى بيانه أشد من الحاجة إلى بيان كثير من الآداب والأحكام؛ لأن المسلم إما أن يتوضأ، وإما أن يتيمم.
والمسألة تتعلق بالصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية، فلو كان هذا القسم موجودًا لبيَّنه الرسول - ﷺ.

وهذا القول - أعني: تقسيم الماء إلى قسمين - هو الراجح.

والجواب عن أدلة القول الأول ما يلي:

أما استدلالهم بقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}[30]... الآية.
فقد علمت الجواب عنه، وأن كلمة (ماء) نكرة في سياق النفي؛ فتعم كل ماء، إلا ما دل الإجماع على خروجه، وهو الماء النجس.

وأما الجواب عن السؤال عن طهورية ماء البحر وأنه كان مستقرًّا في ذهن الصحابة أن هناك ماء طاهرًا وليس بطهور:
فغير مسلَّم.
ويجاب عنه من ثلاثة وجوه:
الأول:
لا نسلم أن الإشكال الذي يكون عند رجل من الصحابة يؤخذ منه هذا العموم؛ إذ كيف يؤخذ من فرد واحد من الصحابة سأل عن طهورية ماء البحر بأنه قد استقر في ذهن الصحابة عموم رأي جميع الصحابة أن هناك ماء ليس بطهور وليس بنجس، وهو الطاهر، ولو قيل: إنه قد استقر في ذهن هذا الصحابي فقط، لكان فيه نزاع، فكيف بهذا التعميم؟ والصحابة منهم الفقهاء، ومنهم من لم يُعْرَف بالفقه، وشرف الصحبة شيء والفقه شيء آخر.
الثاني:
يحتمل أن يكون الصحابي سأل عن التطهر بماء البحر؛ لأن بعض الصحابة كان يكره التطهر منه كابن عمر، وكعبدالله بن عمرو، فلذلك سأل عن هذا[31]، ولم تكن علة الكراهة عندهما أنه طاهر.
الثالث:
أنتم جعلتم الشك الذي قام عند الصحابي دليلاً على وجود الطاهر، ونحن نرى أن حكم النبي ﷺ على البحر بأنه طهور دليل على أنه لا يضر تغير الماء بشيء طاهر؛ فإن ماء البحر متغير بالملح، ومع ذلك هو طهور، والاستدلال بحكم النبي ﷺ أولى من الاستدلال بشك فرد واحد من الصحابة، إن سُلِّم لكم بأنه قد شك.

أما الجواب عن الاغتسال بالماء الراكد، وعن النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثًا إذا استيقظ من النوم:
فسوف تأتي مناقشة الأدلة بالتفصيل - إن شاء الله - في مسائل مستقلة.

وهناك قولان آخران تركتهما في أخر البحث؛ لأنهما ضعيفان لا يخرجان عن القولين الأولين.

القول الأول: الماء المشكوك فيه[32].
وهذا القول في الحقيقة لا يخرج عن القولين السابقين؛ لأن الشك إنما هو من قبل الإنسان نفسه، وأما الشارع فلا يمكن أن يقوم عنده شك في حقيقة الماء.
نعم، قد يحصل عند بعض المكلفين تردد في الماء هل هو طهور أم نجس؟
لكن يبقى الماء في حقيقة الأمر إما هذا، وإما هذا، ومع القول بأن الماء لا ينجس إلا بالتغير، تصبح صورة هذا النوع قليلة أو نادرة؛ لأن التغير أمر مشاهد محسوس، اللهم إلا أن يقال: قد يقع في بعض الصور كما لو كان التغير بسبب ولوغ الكلب، أو كان الإنسان فاقدًا للشم أو أعمى، فهذا ممكن أن لا يشعر بالتغير، والله أعلم.

القول الثاني: زاد قوم آخرون الماء المغصوب.
قالوا: وحكم هذا الماء لا يمكن أن يرفع به الحدث؛ لكن تزال به النجاسة[33].

لماذا لا يرفع الحدث وهو ماء طهور؟
قالوا: لأنه ماء استعماله محرَّم، فلو قلنا: إنه يرفع الحدث لرتبنا على المحرم أثره، إذ كيف يكون محرمًا ويتقرب به الإنسان؟

ولماذا إذًا قلتم بأنه يزيل النجاسة؟
قالوا: لأن النجاسة إذا ذهبت بالماء المحرم، فقد زال حكمها؛ فالحكم بنجاسة المحل مع زوال النجاسة غير ممكن، ولا يشترط لإزالة النجاسة نية القربة، بخلاف رفع الحدث.
والصحيح:
أن هذا القسم لا يخرج عن القولين الأولين؛ لأن الغصب صفة خارجة عن الماء راجعة إلى الغاصب، أما الماء في حقيقته فطهور.

------------------------------
⟦1⟧ أي: في الجملة، وإن اختلفوا في بعض أنواع المياه: هل تلحق بالطاهر أم بالطهور؟ فالذي يعنينا أن الماء عندهم ثلاثة أنواع؛ بمعنى أنهم أثبتوا قسم الطاهر، وهو النوع المختلف فيه، وأما الطهور والنجس، فلم يختلف أحد من أهل العلم في ثبوتهما.
انظر في مذهب الحنفية إثباتهم لقسم الطاهر في: بدائع الصنائع (1/66، 67)، وحاشية ابن عابدين "رد المحتار" (1/200، 201)، والبناية (1/349)، وفتح القدير (1/87)، تبيين الحقائق (1/19).
وفي مذهب المالكية: المقدمات الممهدات (1/86)، وبداية المجتهد (1/271)، والكافي في فقه أهل المدينة (ص:15).
وانظر في مذهب الشافعية: مغنى المحتاج (1/18)، والمجموع (1/150)، وكفاية الأخيار (1/23)، والحاوي الكبير (1/46).
وفي مذهب الحنابلة: كشاف القناع (1/30)، وشرح منتهى الإرادات (1/14) والفروع (1/79)، والمبدع (1/41).

⟦2⟧ الفتاوى (21/25). وانظر شرح الزركشي (1/119) والمغني (1/21).

⟦3⟧ مجموع الفتاوى (21/25)، والذي في كتبهم إثبات الماء الطاهر في الماء المستعمل في طهارة شرعية (واجبة أو مستحبة)، فالرواية المشهورة عنهم أنه طاهر غير مطهر، وقيل: نجس، ولم يأتِ في كتبهم ألبتة أنه طهور. والله أعلم.

⟦4⟧ انظر المغني (1/21-22)، والكافي (1/7).

⟦5⟧ مجموع الفتاوى (21/25)، الإنصاف (1/22).

⟦6⟧ السيل الجرار (1/56).

⟦7⟧ المائدة: 6.

⟦8⟧ بتصرف - الفتاوى (21/24)، والحاوي الكبير (1/48)، والأوسط (1/257).

⟦9⟧ أحمد (2/237).

⟦10⟧ الحديث اختلف في إسناده، فقيل: عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة به.

وتابع مالكًا إسحاق بن إبراهيم المزني، وعبدالرحمن بن إسحاق المدني، فروياه عن صفوان بن سليم به.
كما توبع صفوان بن سليم.
فقد تابعه الجلاح عند الحاكم (1/141)، والبيهقي (1/3) من طريق عبيد بن شريك قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني الجلاح أبو كثير أن ابن سلمة المخزومي أخبره أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة فذكر نحوه.
واختلف على الليث فيه:
فرواه يحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن حبيب، عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، كما سبق.
ورواه الإمام أحمد (2/378) من طريق قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن الجلاح، عن المغيرة، عن أبي هريرة.
فالليث تارة يحدث به عن يزيد بن حبيب عن الجلاح، كما في رواية يحيى بن بكير عنه وتارة يحدث به عن الجلاح مباشرة، كما في رواية قتيبة بن سعيد عنه.
كما أن في رواية يحيى بن بكير مخالفة أخرى؛ فيحيى بن بكير في روايته جعل بين الجلاح وبين المغيرة سعيد بن سلمة كما في رواية مالك، بينما قتيبة جعل الجلاح يروي عن المغيرة مباشرة.
وهذا الاختلاف يمكن فيه الترجيح؛ فلا يحكم له بالاضطراب، والراجح - والله أعلم - رواية يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن الجلاح عن سعيد بن سلمة عن المغيرة عن أبي هريرة به. ورجحت رواية يحيى وإن كان قتيبة أحفظ منه وأضبط؛ للأسباب التالية:
أولاً: أن يحيى بن بكير، قال فيه ابن عدى: كان جارًا لليث بن سعد، وهو من أثبت الناس فيه. انظر تهذيب التهذيب (11/238)، ولم أجده في الكامل.
وقال فيه الحافظ (7580): ثقة في الليث.
ثانيًا: أن يحيى بن بكير لم ينفرد به؛ فقد توبع كما أخرج أبو عبيد في كتابه الطهور (ص: 294)، قال: حدثنا أبو النضر ويحيى بن بكير عن الليث به. وأبو النضر هو هاشم بن القاسم بن سلمة الليثي. قال فيه الحافظ (7256): ثقة ثبت.
وقال بعضهم: إن الراوي عن يحيى هو عبيد بن عبدالواحد بن شريك فيه كلام؛ فقد جاء في الترجمة من تاريخ بغداد (11/99).
قال الدارقطنى: صدوق.
وقال أبو مزاحم موسى بن عبيدالله: كان أحد الثقات، ولم أكتب عنه في تغيره شيئًا.
وعن محمد بن العباس قال: قرئ على علي بن المنادى - وأنا أسمع - قال عبيد بن عبدالواحد بن شريك أبو محمد البزار: أكثر الناس عنه، ثم أصابه أذى فغيره في آخر أيامه، وكان على ذلك صدوقًا. وقال إسماعيل بن علي الخطبي: لم أكتب عنه شيئًا.....إلخ".
فالجواب: أنه لم يتفرد به عبيد بن شريك؛ فقد تابعه القاسم بن سلام في كتابه الطهور (294).
والقاسم بن سلام إمام لا يحتاج إلى من يترجم له.
ثالثًا: ومما يرجح أيضًا أن سعيد بن سلمة هو الراوي عن المغيرة كما في رواية يحيى بن بكير، أن النسائي قد رواه (59) عن قتيبة بن سعيد نفسه عن مالك عن صفوان بن سلمة عن المغيرة به، فرواية قتيبة بن سعيد عن مالك أرجح من روايته عن الليث.
واختلف على يزيد بن أبي حبيب فيه، فقد رواه الليث عن يزيد عن الجلاح عن سعيد بن سلمة عن المغيرة به كما سبق.
وخالفه محمد بن إسحاق عند الدارمي (728)، والبيهقي في المعرفة (1/227) فرواه عن يزيد عن الجلاح عن عبدالله بن سعيد عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة، فأسقط ابن إسحاق سعيدَ بن سلمة ووضع بدلاً منه عبدالله بن سعيد، كما أنه جعل بين المغيرة وبين أبي هريرة والد المغيرة. قال ابن حبان في كتاب الثقات (5/410): "من أدخل بينه وبين أبي هريرة أباه فقد وهم".
والظاهر أن هذا من محمد بن إسحاق حيث لم يحفظ الحديث؛ فقد جاء الحديث عند البخاري في تاريخه الكبير (2/1/رقم 1599) من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن جلاح عن عبدالله بن سعيد المخزومي عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة.
فهذا ابن إسحاق لم يذكر والد المغيرة؛ ولكنه ذكر عبدالله بن سعيد بدلاً من سعيد بن سلمة.
وأخرجه البخاري أيضًا قال: قال سلمة: حدثنا ابن إسحاق عن يزيد عن اللجلاج - والصواب عن الجلاح كما نقله عنه البيهقي في المعرفة (1/ 227) - عن سلمة بن سعيد - والصواب سعيد بن سلمة - عن المغيرة بن أبي بردة حليف بني عبدالدار عن أبي هريرة، وهذا هو الصواب.
فأنت ترى أن محمد بن إسحاق تارة يذكر والد المغيرة وتارة يسقطه، وتارة يذكر سعيد بن سلمة وتارة يسقطه ويذكر بدلاً منه عبدالله بن سعيد، فهذا الاضطراب يسقط رواية محمد بن إسحاق؛ لأنه لم يحفظ الحديث؛ ولكن لا ينبغي أن تعل به رواية الإمام مالك عن صفوان، فقد أقام الإمام مالك إسناده، والله أعلم.
وقد صحح الحديث جماعة، منهم:
البخاري فيما ذكره عنه الترمذي في " كتاب العلل " المفرد له؛ قال: سألت محمدًا عن حديث مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن أبي سلمة أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل..... وذكر الحديث. فقال: "هو حديث صحيح" نصب الراية (1/96).
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" سنن الترمذي (1/100، 101).
وصححه ابن خزيمة كما في صحيحه (1/58، 59). وابن حبان كما في الإحسان (1243)، وابن المنذر، وقــال ثابت: عــن رســـول الله ﷺ أنه قال في البحر: ((هو الطهور ماؤه، الحـل ميتته)) كما في الأوسط (1/247).
وقال البيهقي: "هو حديث صحيح كما قال البخاري" المعرفة (1/152).
وقال ابن عبدالبر في التمهيد: "وهو عندي صحيح؛ لأن العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به، ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء" التمهيد (16/219).
وقال النووي: "حديث صحيح"، كما في المجموع (1/127).
وصححه الدارقطني؛ قال في العلل (9/13): "وأشبهها بالصواب قول مالك ومن تابعه عن صفوان بن سليم"، وصححه الحافظ ابن حجر كما في تلخيص الحبير (1/9 - 12). وغيرهم كثير.
وضعفه الشيخ ابن دقيق العيد، جاء في نصب الراية عنه: "وهذا الحديث يعل بأربع علل:
العلة الأولى: جهالة سعيد بن سلمة، والمغيرة بن أبي بردة، وقالوا: لم يرو عن المغيرة إلا سعيد بن سلمة، ولا عن سعيد بن سلمة إلا صفوان بن سليم.
والجواب: أن سعيد بن سلمة قد روى عنه صفوان بن سليم، والجلاح أبو كثير.
قال النسائي: ثقة. تهذيب الكمال (10/480).
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (6/364). فارتفعت عنه جهالة العين والحال. وأما المغيرة بن أبي بردة:
فقال الآجري عن أبي داود: معروف. تهذيب التهذيب (10/229).
وقال النسائي: ثقة. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات. قال الحافظ: وصحح حديثه عن أبي هريرة في البحر ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والخطابي والطحاوي وابن منده والحاكم وابن حزم والبيهقي وعبدالحق وآخرون. المرجع السابق. فهذا توثيق ضمني من هؤلاء، والله أعلم.
العلة الثانية: أنهم اختلفوا في اسم سعيد بن سلمة، فقيل: هذا، وقيل: عبدالله بن سعيد، وقيل: سلمة بن سعيد.
والجواب: أن الصحيح أنه سعيد بن سلمة؛ لأنها رواية مالك مع جلالته، وهذا مع وفاق من وافقه، والاسمان الآخران من رواية محمد بن إسحاق، وقد بينت فيما سبق أنه لم يحفظ الحديث، وأن الخطأ جاء من قبله زيادة ونقصًا.
العلة الثالثة: الإرسال.
قال ابن عبدالبر: "ذكر ابن أبي عمرو الحميدي والمخزومي عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن المغيرة بن أبي بردة أن ناسًا من مدلج أتوا رسول الله ﷺ.... الحديث.
قال: وهذا مرسل لا يقوم بمثله حجة. ويحيى بن سعيد أحفظ من صفوان بن سليم وأثبت من سعيد بن سلمة، قال الشيخ: وهذا مبني على تقديم إرسال الأحفظ على إسناد من دونه، وهو مشهور في الأصول.
والجواب: أن يحيى بن سعيد الأنصاري قد اختلف عليه اختلافًا كبيرًا جدًّا يسقط روايته. انظر العلل للدارقطني (9/11، 13).
فلا ينبغي أن تعل رواية سعيد بن سلمة بمثل هذا؛ ولذلك قال الدارقطني بعد أن بين الاختلاف على يحيى بن سعيد: "وأشبهها بالصواب قول مالك ومن تابعه عن صفوان بن سليم".
وقال البيهقي في المعرفة (1/231) بعد أن ساق الاختلاف على سعيد - قال: "وهذا الاختلاف يدل على أنه لم يحفظ كما ينبغي، وقد أقام إسناده مالك بن أنس عن صفوان بن سليم، وتابعه على ذلك الليث بن سعد عن يزيد عن الجلاح أبي كثير، ثم عمرو بن الحارث عن الجلاح، كلاهما عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة، فصار الحديث بذلك صحيحًا كما قال البخاري في رواية أبي عيسى عنه.
العلة الرابعة: الاضطراب.
فقد ذكروا الاضطراب في رواية كل من محمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد الأنصاري. انظر نصب الراية (1/97) والعلل للدارقطني (9/11، 13)، وقد بينت أن هذا يضعف روايتهما ولكن لا تعل به رواية الإمام مالك عن صفوان بن سليم ومن تابعه، كما أن للحديث شاهدين سنأتي على ذكرهما في تخريج الحديث.
[تخريج الحديث]:
أما حديث مالك، فتخريجه كالتالي:
الحديث هو في الموطأ (1/22)، ولفظه عن أبي هريرة: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله ﷺ: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)).
ورواه عن مالك جماعة:
الأول: عبدالرحمن بن مهدي، عن مالك، رواه أحمد كما في إسناد الباب (2/237)، وكذلك (2/393)، وسنن الدارقطني (1/36).
الثاني: قتيبة بن سعيد، عن مالك. كما في سنن الترمذي (69)، النسائي في الكبرى (58) والصغرى (59، 332)
الثالث: القعنبي كما في سنن أبي داود (83)، وابن حبان (1243، 5258)، وسنن الدارقطني (1/36)، والمستدرك (1/140، 141).
الرابع: هشام بن عمار، كما في سنن ابن ماجه (386).
الخامس: محمد بن المبارك، كما في سنن الدارمي (729، 2011).
السادس: أبو سلمة الخزاعي، كما في مسند أحمد (2/361).
السابع: عبدالله بن وهب، عن مالك، كما في صحيح ابن خزيمة (1/59).
الثامن: الشافعي (1/23)، وسنن البيهقي (1/3)، تاريخ بغداد (9/129)
التاسع: أحمد بن إسماعيل المدني، كما في سنن الدارقطني (1/36).
العاشر: بشر بن عمر، كما في المنتقى لابن الجارود (43).
وتابع إسحاق بن إبراهيم بن سعيد المزني، وعبدالرحمن بن إسحاق تابعا مالكًا، فروياه عن صفوان بن سليم.
فأما متابعة عبدالرحمن بن إسحاق، فقد أخرجها الحاكم في المستدرك (1/141) من طريق محمد بن المنهال ومحمد بن أبي بكر، كلاهما عن يزيد بن زريع، ثنا عبدالرحمن بن إسحاق، ثنا صفوان بن سليم به.
وأخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (1/225) من طريق محمد بن أبي بكر، عن يزيد بن زريع به.
وأما متابعة إسحاق بن إبراهيم المزني، فقد أخرجها الحاكم أيضًا (1/141) ومن طريقه البيهقي في المعرفة (1/225) من طريق سعيد بن كثير بن يحيى بن حميد الأنصاري، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن صفوان بن سليم به.
كما توبع صفوان بن سليم.
فقد تابعه الجلاح أبو كثير عند الحاكم (1/141)، والبيهقي في السنن (1/3) وفي المعرفة (1/226) من طريق عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: حدثني الجلاح أبو كثير، أن ابن سلمة المخزومي أخبره، أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة فذكر نحوه.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/478) وقال عبدالله - يعني ابن صالح كاتب الليث -: حدثنا الليث حدثنا يزيد بن أبي حبيب به.
واختلف على الليث فيه:
فرواه يحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن حبيب، عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، كما سبق.
ورواه الإمام أحمد (2/378) من طريق قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن الجلاح، عن المغيرة، عن أبي هريرة.
فالليث تارة يحدث به عن يزيد بن حبيب عن الجلاح، كما في رواية يحيى بن بكير عنه، وتارة يحدث به عن الجلاح مباشرة، كما في رواية قتيبة بن سعيد عنه.
كما أن في رواية يحيى بن بكير مخالفة أخرى؛ فيحيى بن بكير في روايته جعل بين الجلاح وبين المغيرة سعيدَ بن سلمة كما في رواية مالك، بينما قتيبة جعل الجلاح يروي عن المغيرة مباشرة.
ورواية يحيى بن بكير أرجح، كما أسلفت في أول التخريج، وذكرت مجموعة من الأوجه في كونها أرجح، يضاف إلى ذلك أن عمرو بن الحارث المصري تابع يزيد بن أبي حبيب، فقد رواه البخاري في التاريخ الكير (3/478) والبيهقي في المعرفة (1/227) من طريق ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة. فذكر في الإسناد عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة.
وأما تخريج رواية ابن إسحاق، فهي كما يلي:
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/478)، والدارمي (728) والبيهقي في المعرفة (1/227) من طريق محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جلاح، عن عبدالله بن سعيد المخزومي، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
هكذا في رواية الدارمي والبيهقي، وليس في التاريخ الكبير، عن أبيه، وهذا الإسناد فيه مخالفتان:
الأولى: قوله: عبدالله بن سعيد المخزومي، والصواب سعيد بن سلمة.
الثاني: قوله: "عن أبيه"، ولم يقل أحد عن أبيه إلا ابن إسحاق.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/478،479) من طريق سلمة بن الفضل الأبرش، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن اللجلاح، عن سلمة بن سعيد، عن المغيرة به، فانقلب اسمه من سلمة بن سعيد إلى سعيد بن سلمة.
وأخرجه البخاري (3/479) وعلقه البيهقي في المعرفه عنه (1/227) قال البخاري: وحدثني يوسف بن راشد، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مغراء، قال: أخبرنا ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن اللجلاج، عن عبدالله بن سعيد المخزومي، عن مغيرة بن أبي بردة، الكناني، عن أبي هريرة.
قال البيهقي: قال البخاري: وحديث مالك أصح، واللجلاج خطأ.
قال البيهقي: الليث بن سعد أحفظ من ابن إسحاق، وقد أقام إسناده عن يزيد بن أبي حبيب، وتابعه على ذلك عمرو بن الحارث، عن الجلاح، فهو أولى أن يكون صحيحًا.
قال البيهقي: وقد رواه يزيد بن محمد القرشي، عن المغيرة بن أبي بردة، نحو رواية من رواه على الصحة، ثم ساق إسناده في المعرفة (1/228) أخبرنا علي بن محمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثني خالد بن يزيد، أن يزيد بن محمد القرشي حدثه عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، قال: أتى نفر من بني فراس إلى رسول الله ﷺ فقالوا: نصيد في البحر، فنتزود من الماء العذب، فربما تخوفنا العطش، فهل يصلح أن نتوضأ من ماء البحر؟ فقال: ((نعم توضؤوا به، وحل ميت ما طرح)).
ورواه الحاكم في المستدرك (1/142) حدثنا علي بن حمشاد العدل، ثنا عبيد بن عبدالواحد، ثنا ابن أبي مريم به. وإسناده حسن إن شاء الله.
وأما طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فأخرجه الدارقطني (1/37)، والحاكم (1/142) من طريق عبدالله بن محمد بن ربيعة القدامي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبدالله القدامي.
قال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة، وهو ضعيف على ما تبين لي من رواياته واضطرابه فيها ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره. الكامل (4/257).
وقد ضعفه الدارقطني في غرائب مالك في مواضع بعبارات مختلفة، مرة قال: ضعيف، ومرة قال: غيره أثبت منه.
وقال ابن حبان: كان تقلب له الأخبار فيجيب فيها، كان آفته ابنه، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار، ولعله قلب له على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثًا فحدث بها كلها، وعن إبراهيم بن سعد الشيء الكثير. روى عن إبراهيم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: سئل النبي ﷺ عن ماء البحر، فقال: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)). المجروحين (2/39).
وأما طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، فأخرجه الدارقطني (1/36) والحاكم (1/142) من طريق محمد بن غزوان، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وهذا إسناد ضعيف من أجل محمد بن غزوان.
قال أبو زرعة: منكر الحديث. الجرح والتعديل (8/54).
وقال ابن حبان: يقلب الأخبار، ويسند الموقوف، لا يحل الاحتجاج به. المجروحين (2/299).
وأما طريق يحيى بن سعيد، فقال البيهقي في سننه (1/3): اختلف فيه على يحيى بن سعيد:
فروي عنه، عن المغيرة بن أبي بردة، عن رجل من بني مدلج، عن النبي - ﷺ.
وروي عنه، عن عبدالله بن المغيرة بن أبي بردة، أن رجلاً من بني مدلج.
وروي عنه، عن عبدالله بن المغيرة الكندي، عن رجل من بني مدلج.
وعنه، عن المغيرة بن عبدالله، عن أبيه. وقيل: غير هذا. اهـ
فأخرجه أحمد بن عمرو بن الضحاك في الآحاد والمثاني (2818) حدثنا هدبة، نا حماد، عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن عبدالله، عن أبيه، أن رسول الله ﷺ قال: ((ماء البحر هو الطهور ماؤه، الحلال ميتته)).
ورواه الحاكم في المستدرك (1/141، 142) من طريق حجاج بن منهال، ثنا حماد به.
ورواه البيهقي (1/230) من طريق محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا حماد بن زيد به.
قال الحاكم: وقال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبدالله بن المغيرة، عن أبيه.
ورواه الحاكم في المستدرك (1/141) والبيهقي في المعرفة (1/228، 229) من طريق هشيم، عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن عبدالله بن أبي بردة، عن رجل من بني مدلج، عن النبي - ﷺ.
ورواه البيهقي (1/229) من طريق القعنبي، قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبدالله بن المغيرة بن أبي بردة، أن رجلاً من بني مدلج قال: سألت رسول الله ﷺ... فذكر نحوه.
وأخرجه أيضًا (1/230) من طريق أبي خالد، عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عبدالله بن المغيرة، عن رجل من بني مدلج.
وأخرجه أيضًا (1/230) من طريق ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، قال: حدثني عبدالله بن المغيرة الكندي، عن رجل من بني مدلج.
ورواه ابن عبدالبر في التمهيد بإسناده (16/219) من طريق سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن رجل من أهل المغرب يقال له: المغيرة بن عبدالله بن أبي بردة، أن ناسًا من بني مدلج أتوا رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله إنا نركب أرماتا في البحر بنحوه.
وهو في معرفة السنن للبيهقي بنحوه (1/229) من طريق سفيان به.
قال ابن عبدالبر في التمهيد (16/220): أرسل يحيى بن سعيد الأنصاري هذا الحديث عن المغيرة بن أبي بردة، لم يذكر أبا هريرة. ويحيى بن سعيد أحد الأئمة في الفقه والحديث، وليس يقاس به سعيد بن سلمة ولا أمثاله، وهو أحفظ من صفوان بن سليم، وفي رواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث ما يدل على أن سعيد بن سلمة لم يكن معروف الحديث عند أهله، وقد روي هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن عبدالله بن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي ﷺ والصواب فيه عن يحيى بن سعيد، ما رواه عنه ابن عيينة مرسلاً كما ذكرنا، والله أعلم.
والصواب أن رواية يحيى بن سعيد ليست محفوظة للاختلاف عليه، قال البيهقي: هذا الاختلاف يدل على أنه لم يحفظ كما ينبغي، وقد أقام إسناده مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، وتابعه على ذلك الليث بن سعد، عن يزيد، عن الجلاح أبي كثير، ثم عمرو بن الحارث، عن الجلاح، كلاهما عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ فصار الحديث بذلك صحيحًا كما قال البخاري في رواية أبي عيسى عنه.
وللحديث شواهد:
الشاهد الأول: حديث جابر:
روى الإمام أحمد (3/373) قال: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، أخبرني إسحاق بن حازم، عن أبي مقسم - يعني عبيدالله بن مقسم - عن جابر بن عبدالله، عن النبي ﷺ قال في البحر: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)).
قال الحافظ في الدراية (ص45): إسناده لا بأس به. اهـ.
وأبو القاسم بن أبي الزناد، قال الحافظ في التقريب (8309): "ليس به بأس".
وأثنى عليه الإمام أحمد، وقال فيه ابن معين: ليس به بأس. انظر تهذيب الكمال (34/192).
وإسحاق بن حازم، قال فيه الحافظ (348): صدوق تكلم فيه للقدر.اهـ
قلت: لنا صدقه، وعليه بدعته.
وقد وثقه أحمد ويحيى بن معين كما في تهذيب الكمال (2/417، 418).
وعبيدالله بن مقسم ثقة مشهور أخرج له البخاري ومسلم. انظر التقريب (434). فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة.
[تخريج حديث جابر]:
الحديث أخرجه أحمد، ومن طريق أحمد أخرجه ابن ماجه (388) وابن الجارود في المنتقى (879)، وابن خزيمة (112)، وابن حبان (1244) والدارقطني (1/34) والبيهقي (1/251-252).
واختلف فيه على إسحاق بن حازم، فروي عنه كما سبق.
وأخرجه الدارقطني (1/34) من طريق عبدالعزيز بن أبي ثابت، عن إسحاق بن حازم، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبدالله، عن أبي بكر الصديق مرفوعًا.
فهنا عبدالعزيز بن أبي ثابت جعله من مسند أبي بكر، وجعل وهب بن كيسان مكان عبيدالله بن مقسم، وعبدالعزيز بن أبي ثابت ضعيف جدًّا، فروايته منكرة، والمعروف رواية الإمام أحمد، والله أعلم.
وأخرجه الطبراني في الكبير (1759) قال: حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار، ثنا الحسين بن بشر، ثنا المعافى بن عمران، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي ﷺ قال في البحر: ((هو الطهور ماؤه، الحلال ميتته)).
وأخرجه الدارقطني (1/34) قال: حدثنا عبدالباقي بن قانع نا محمد بن علي بن شعيب به.
وأخرجه الحاكم (1/143) قال: حدثناه عبدالباقي بن نافع الحافظ، ثنا محمد بن علي بن شعيب به.
قال الحافظ في التلخيص (1/11): وإسناده حسن ليس فيه إلا ما يخشى من التدليس.
الشاهد الثاني: حديث ابن عباس:
رواه أحمد (1/279) قال: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا أبو التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس من حديث طويل، وفيه: "وسألته عن ماء البحر، فقال: ((ماء البحر طهور)). وهذا إسناد صحيح إلا أنه موقوف على ابن عباس.
واختلف فيه على حماد بن سلمة، فرواه عفان، عن حماد به موقوفًا.
ورواه سريج بن النعمان عن حماد به مرفوعًا، وعفان من أثبت أصحاب حماد بلا منازع، ورجح الدارقطني الموقوف، وإليك تخريجها.
فقد أخرجه الدارقطني (1/35) قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد، نا إبراهيم بن راشد، نا سريج بن النعمان، نا حماد بن سلمة، عن أبي التياح، نا موسى بن سلمة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: سئل رسول الله ﷺ عن ماء البحر، فقال: ((ماء البحر طهور)). قال الدارقطني: كذا قال، والصواب موقوف.
وأخرجه الحاكم (1/140) قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا سريج بن النعمان، ثنا حماد بن سلمة به مرفوعًا.
الشاهد الثالث: حديث الفراسي، هو ضعيف.
أخرجه ابن ماجه (387) من طريق يحيى بن بكير، حدثني الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي قال: كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء، وإني توضأت بماء البحر، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)).
وهذا مرسل، وابن الفراسي تابعي. وجاء في الزوائد: (ص: 86) رجال هذا الإسناد ثقات إلا أن مسلمًا لم يسمع من الفراسي وإنما سمع من ابن الفراسي ولا حجة له، وإنما روى هذا الحديث عن أبيه، فالظاهر أنه سقط من هذه الطريق.
وأخرجه ابن عبدالبر في التمهيد (16/220) من طريق يحيى بن بكير به، إلا أنه قال: عن الفراسي بدلاً من ابن الفراسي، وهذا منقطع؛ لأن مسلمًا لم يسمع من الفراسي كما ذكر ذلك البوصيري فيما سبق.
فالحديث إما مرسل أو منقطع، وبالتالي فهو ضعيف، لكن يصلح في الشواهد والمتابعات، والله أعلم.
الشاهد الرابع: حديث أنس بن مالك، وهو ضعيف جدًّا.
أخرجه عبدالرزاق (320) قال: عن الثوري، عن أبان، عن أنس عن النبي ﷺ مختصرًا.
وأخرجه الدارقطني (1/35) قال: حدثنا علي بن عبدالله بن مبشر، نا محمد بن حرب، نا محمد بن يزيد، عن أبان به.
قال الدارقطني: أبان بن أبي عياش متروك.
الشاهد الخامس: حديث علي بن أبي طالب:
أخرجه الدارقطني (1/35) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، نا أحمد بن الحسين بن عبدالملك، نا معاذ بن موسى، نا محمد بن الحسين، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: سئل رسول الله ﷺ عن ماء البحر، فقال: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)).
وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/142، 143) قال: حدثناه أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا أحمد بن الحسين بن علي حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب.
قال الحافظ في التلخيص (1/12): "رواه الدارقطني والحاكم من حديث علي بن أبي طالب، من طريق أهل البيت، وفي إسناده من لا يعرف". اهـ
الشاهد السادس: حديث عبدالله بن عمرو:
أخرجه الدارقطني (1/35) والحاكم (1/143) من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله ﷺ قال: ((ميتة البحر حلال، وماؤه طهور)).
والمثنى بن الصباح ضعيف، وقد سبقت ترجمته في مسألة التسوك بالإصبع، وذكرنا أقوال أهل الجرح فيه.

⟦11⟧ المجموع (1/130)، المبدع (1/33)، الشرح الكبير (1/35، 36).

⟦12⟧ انظر المبدع (1/45)، والمغني (1/33، 34، 35).

⟦13⟧ المبدع (1/32)

⟦14⟧ المائدة: 6.

⟦15⟧ مجموع الفتاوى (21/25)، الكافي (2/5)، الزركشي (1/119).

⟦16⟧ المائدة: 6.

⟦17⟧ الأوسط (2/268).

⟦18⟧ سقط اسم (سليط بن أيوب) من المطبوع، واستدركته من أطراف المسند (6/269).

⟦19⟧ المسند (3/15،16).

⟦20⟧ [تخريج الحديث من هذا الطريق]:
الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده (1304) من طريق يونس بن محمد.
وأخرجه النسائي (327) من طريق عبدالملك بن عمرو.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/12) من طريق عيسى بن إبراهيم البركي، ثلاثتهم عن عبدالعزيز بن مسلم به، إلا أن إسناد الطحاوي سقط منه سليط.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (1/257) من طريق عبدالله بن مسلمة، ثنا عبدالعزيز بن مسلم به.
وفي هذا الإسناد خالد بن أبي نوف:
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه فلم يذكر فيه شيئًا. الجرح والتعديل (3/355).
وقال أبو حاتم الرازي: يروي ثلاثة أحاديث مراسيل. المرجع السابق، يقصد منقطعة.
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (6/264).
وفي التقريب: مقبول؛ يعني إن توبع، وإلا فلين.
وفيه سليط بن أيوب:
وسليط: روى عنه خالد بن أبي نوف، ومحمد بن إسحاق.
ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه شيئًا. الجرح والتعديل (4/287).
ذكره ابن حبان في الثقات (6/340).
ولا أعلم وثقه أحد غيره، وفي التقريب (2520): مقبول.
واختلف فيه على سليط، فتارة يحدث به عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه كما في إسناد أحمد.
وتارة يحدث به عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع عن أبي سعيد من طريق ابن إسحاق عنه، إلا أن ابن إسحاق قد اختلف عليه اختلافًا كثيرًا:
فقيل: عن ابن إسحاق، عن سليط، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
وقيل: عن ابن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن عبيدالله بن عبدالله بن رافع، عن أبي سعيد.
وقيل فيه: عن ابن إسحاق، عن سليط، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
وقيل: عن ابن إسحاق، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، عن أبي سعيد. ليس فيه سليط.
وقيل: عن ابن إسحاق، عن عبيدالله بن عبدالله.
وقيل: عن ابن إسحاق، عن عبدالله بن عبدالرحمن.
وقيل: عن ابن إسحاق، عن عبدالله بن أبي سلمة، عن عبدالله بن عبدالله بن رافع عن أبي سعيد، وإليك تخريج هذه الروايات:
أما رواية ابن إسحاق، فقال: حدثني سليط بن أيوب، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، عن أبي سعيد، فأخرجه أحمد في مسنده (3/86) قال: حدثنا يعقوب، حدثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني سليط بن أيوب بن الحكم الأنصاري، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري ثم أحد بني عدي بن النجار، عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه الدارقطني (1/31) من طريقين، عن يعقوب بن إبراهيم به.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/11) من طريق الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبيدالله بن عبدالرحمن، عن أبي سعيد الخدري به.
وتابع محمد بن سلمة إبراهيم بن سعد:
فقد أخرجه أبو داود (67) ومن طريقه البيهقي (1/257) قال: حدثنا أحمد بن أبي شعيب وعبدالعزيز بن يحيى الحرانيان، قالا: ثنا محمد بن سلمة به.
وأخرجه الدارقطني (1/30) من طريق محمد بن معاوية بن مالج، عن محمد بن سلمة به، إلا أنه قال: عن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري.
ولا يتصور أنه خطأ في الإسناد؛ لأن البيهقي بعد أن أخرجه من طريق أحمد بن أبي شعيب وعبدالعزيز بن يحيى الحرانيين، قالا: ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري، عن أبي سعيد الخدري.
قال البيهقي: كذا روياه عن محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، وقيل: عن محمد بن سلمة في هذا الإسناد، عن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري... إلخ كلامه.
وأما رواية ابن إسحاق عن عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع، فأخرجها الدارقطني (1/31) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن صالح الأزدي، نا محمد بن شوكر، نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ح
وثنا أحمد بن كامل، نا محمد بن سعد العوفي، نا يعقوب بن إبراهيم، نا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني سليط بن أيوب بن الحكم الأنصاري، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع الأنصاري عن أبي سعيد به.
تابع أحمد بن خالد الوهبي إبراهيم بن سعد في ذكر عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع، فقد أخرجه الدارقطني (1/31) من طريق أحمد بن خالد الوهبي، نا ابن إسحاق، عن سليط، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع به.
وهو في تهذيب الكمال (11/336) من نفس الطريق إلا أنه قال: عن عبيدالله بن عبدالرحمن.
وأما رواية ابن إسحاق، عن عبيدالله بن عبدالله، فقد أخرجها أبو داود الطيالسي (2199) حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبيدالله بن عبدالله، عن أبي سعيد به.
وقال البيهقي في السنن الكبرى: وقال يحيى بن واضح: عن ابن إسحاق، عن سليط، عن عبيدالله بن عبدالله بن رافع، كما قال محمد بن كعب.
وقال إبراهيم بن سعد وأحمد بن خالد الوهبي ويونس بن بكير: عن ابن إسحاق، عن سليط، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
وقيل: عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق، عن عبدالله بن أبي سلمة، عن عبدالله بن عبدالله بن رافع.
وقيل: عن سليط، عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه. اهـ كلام البيهقي.
فهنا نرى أن ابن إسحاق فيه اختلاف كثير، ومع أنه صرح بالتحديث - كما عند أحمد - إلا أنه جاء في المراسيل لابن أبي حاتم (ص: 155، 156) قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وساق حديث بئر بضاعة بإسناده عن محمد بن إسحاق، عن سليط، عن أبي سعيد ثم قال: قال أبي: محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي بينه وبين سليط رجل. اهـ
والراجح فيه ما قيل فيه: عبيدالله بن عبدالله بن رافع، وما قيل: عبدالله بن عبدالله، فهو اختلاف في اسمه، فإنه حكي في اسمه الوجهان.
فقد أخرجه الدارقطني (1/31) من طريق عبيدالله بن سعد، حدثني عمي ثنا ابن إسحاق قال: حدثني عبدالله بن أبي سلمة أن عبدالله بن عبدالله بن رافع حدثه أنه سمع أبا سعيد فذكره.
وعبيدالله بن سعد: هو عبيدالله بن سعد الزهري.
وعمه: هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف.
وعبيدالله هذا: أخرج له البخاري، وعمه يعقوب: أخرج له الشيخان، وأبوه: إبراهيم بن سعد أخرجا له أيضًا.
وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن عبدالله بن أبي سلمة؛ فزال ما يخشى من تدليسه.
قال الدارقطني في العلل كما نقل ذلك عنه ابن عبد الهادي في التنقيح وأقره (1/206) قال: "وأحسنها إسنادًا حديث الوليد بن كثير عن محمد بن كعب، وحديث ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي سلمة" اهـ.
وحديث الوليد بن كثير الذي أشار إليه الدارقطني، أخرجه أحمد (3/31) حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيدالله بن عبدالله - وقال أبو أسامة مرة: عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع بن خديج - عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض، والنتن، ولحوم الكلاب؟ قال: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)).
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/133)، وأبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي (1/174) وابن الجارود (47)، والدارقطني (1/30)، والبيهقي في السنن (1/4، 257) من طريق أبي أسامة به.
وعبيدالله بن عبدالله بن رافع:
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه فلم يذكر فيه شيئًا. الجرح والتعديل (2/321).
وضعفه ابن القطان الفاسي، فقال: وأمره إذا بين - يعني الحديث - يبين منه ضعف الحديث لا حسنه، وذلك أن مداره على أبي أسامة، عن محمد بن كعب، ثم اختلف على أبي أسامة في الواسطة التي بين محمد بن كعب وأبي سعيد:
فقوم يقولون: عبدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
وقوم يقولون: عبيدالله بن عبدالله بن رافع بن خديج.
وله طريق آخر من رواية ابن إسحاق، عن سليط بن أيوب، واختلف على ابن إسحاق في الواسطة بين سليط وأبي سعيد:
فقوم يقولون: عبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
وقوم يقولون: عبدالله بن عبدالرحمن بن رافع.
وقوم يقولون: عن عبدالرحمن بن رافع.
فتحصل في هذا الرجل الراوي له عن أبي سعيد خمسة أقوال:
عبدالله بن عبدالله بن رافع، وعبيدالله بن عبدالله بن رافع، وعبدالله بن عبدالرحمن بن رافع، وعبيدالله بن عبدالرحمن بن رافع، وعبدالرحمن بن رافع، وكيفما كان، فهو لا تعرف له حال ولا عين!! بيان الوهم والإيهام (1059).
وقال ابن منده: مجهول. تهذيب التهذيب (7/26).
قلت: كيف يكون مجهول الحال والعين، وقد صحح حديثه الأئمة؟ منهم أحمد كما في معالم السنن (1/74) تلخيص الحبير (1/13).
وابن معين كما في التخليص (1/13).
وابن الملقن كما في البدر المنير (2/51).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، وفي الباب عن ابن عباس وعائشة. سنن الترمذي (1/101).
وقال البغوى: "هذا حديث حسن صحيح" شرح السنة (2/61).
وصحح الحديث ابن تيمية، قال في الفتاوى (21/41): "قد صح عن النبي ﷺ أنه قيل له: إنك تتوضأ من بئر بضاعة..."
قال الحافظ في التلخيص (1/13): نقل ابن الجوزي أن الدارقطني، قال: إنه ليس بثابت، قال الحافظ: ولم نر ذلك في العلل له، ولا في السنن، وقد ذكر في العلل الاختلاف فيه على ابن إسحاق وغيره.. ثم قال: وأحسنها إسنادًا رواية الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب... إلخ كلامه.
والحق أن كلام الدارقطني موجود في العلل (8/156) لكنه عنى به حديث المقبري، عن أبي هريرة في بئر بضاعة، ولم يقصد هذا الحديث، والله أعلم.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (2155) قال: حدثنا قيس، عن طريف بن سفيان، عن أبي نظرة، عن أبي سعيد، قال: كنا مع رسول الله ﷺ فأتينا على غدير فيه جيفة، فتوضأ بعض القوم، وأمسك بعض القوم حتى يجيء النبي ﷺ فجاء النبي ﷺ في أخريات الناس، فقال: ((توضؤوا واشربوا؛ فإن الماء لا ينجسه شيء)).
وقيس: هو ابن الربيع مختلف فيه، والراجح ضعفه، وقد حررت القول فيه في مسألة دفن الظفر والشعر، فارجع إليه إن شئت. وما يخشى من سوء حفظه قد زال بالمتابعة؛ فقد تابعه شريك بن عبدالله النخعي عن طريف به، إلا أن شريكًا تارة يرويه بالشك عن جابر أو أبي سعيد، كما أخرجه الطحاوي (1/12)، والبيهقي (1/258)، وتارة يرويه بالجزم عن جابر وحده، كما عند ابن ماجه (520)، وتارة يرويه بالجزم عن أبي سعيد وحده كما جاء ذلك عند ابن عدي في الكامل (4/117) وهو الصواب.
وهذا الشك إنما جاء من قبل شريك، فإنه صدوق سيئ الحفظ.
والحديث ضعيف؛ لضعف طريف بن سفيان، ويقال: طريف بن سعد، ويقال: طريف بن شهاب.
قال ابن عبدالبر كما في تهذيب التهذيب (5/11): "طريف أجمعوا على أنه ضعيف الحديث" ا هـ.
إلا أن الحديث صالح في الشواهد والمتابعات.
قال ابن عدي (4/118): "طريف قد روى عن الثقات، وإنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فمستقيمة".
والحديث له شواهد، منها:
الشاهد الأول: حديث سهل بن سعد.
قال ابن القطان في الوهم والإيهام (5/224) بعد أن ضعف حديث أبي سعيد الخدري، قال: ونذكر الآن هنا أن له إسنادًا صحيحًا من رواية سهل بن سعد، ثم نقل من كتاب قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، حدثنا أبو علي: عبدالصمد بن أبي سكينة الحلبي بحلب، قال: حدثنا عبدالعزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قالوا: يا رسول الله، إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما ينجي الناس، والمحائض والخبث، فقال رسول الله ﷺ: ((الماء لا ينجسه شيء)).
قال قاسم: هذا من أحسن شيء في بئر بضاعة.
وقال محمد بن عبدالملك بن أيمن: حدثنا ابن وضاح فذكره أيضًا بإسناده ومتنه -وذكر ابن حجر أن محمد بن عبدالملك أخرجه في مستخرجه، كما في تلخيص الحبير (1/14).
ثم قال ابن القطان: قال ابن حزم: وعبدالصمد بن أبي سكينة ثقة مشهور.
وقال قاسم: ويروى حديث عن سهل بن سعد في بئر بضاعة من طرق، هذا خيرها، فاعلم ذلك. اهـ
وقال ابن حجر في التلخيص متعقبًا (1/14): ابن أبي سكينة الذي زعم ابن حزم أنه مشهور، قال ابن عبدالبر وغير واحد: إنه مجهول، ولم نجد عنه راويًا إلا محمد بن وضاح. اهـ
قلت: على فرض أن يكون ضعيفًا، فهو شاهد صالح لحديث أبي سعيد الخدري.
كما أن له متابعًا، فقد أخرجه الإمام أحمد (5/337، 338)، والدارقطني (1/32) من طريق الفضيل بن سليمان، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/12) من طريق حاتم بن إسماعيل، كلاهما عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أمه، قالت: دخلنا على سهل بن سعد في أربع نسوة فقال: لو سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد سقيت رسول الله ﷺ منها بيدي.
وقال الحافظ في أطراف مسند الإمام أحمد (2/560): رواه إسحاق في مسنده قال: حدثنا بعض أصحابنا، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبي يحيى به.
ومحمد بن أبي يحيى:
قال العجلي: مدني ثقة. معرفة الثقات (2/257).
وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن أبي يحيى ثقة. الجرح والتعديل (7/282).
وقال الآجري: سألت أبا داود عن أبيه - يعني أبا يحيى - فقال: أبوه ثقة. تهذيب التهذيب (9/460).
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (7/372).
وقال أبو حاتم: تكلم فيه يحيى القطان. تهذيب التهذيب (9/460). ولم أقف عليه في مظانه.
وقال ابن شاهين: فيه لين. المرجع السابق.
وقال: الخليلي ثقة. المرجع السابق.
وأمه مجهولة لم يرو عنها إلا ابنها هذا محمد.
قال عنها الحافظ في التقريب (8769): مقبولة.
واختلف على حاتم بن إسماعيل، فأخرجه البيهقي (1/259) من طريق علي بن بحر القطان، والطبراني (6/207) من طريق هشام بن عمار، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبيه قال: دخلت على سهل بن سعد في نسوة..... وساق الحديث، وهذا لفظ البيهقي، فصار الفضيل بن سليمان يرويه عن محمد بن يحيى الأسلمي عن أمه.
وأما حاتم بن إسماعيل، فرواه على الوجهين: عن أبيه تارة، وعن أمه تارة.
ومحمد بن أبي يحيى حدث عن أبيه، كما حدث عن أمه، وأبوه سمعان قال فيه الحافظ في التقريب (2633): لا بأس به.
وجاء في مسند الطبراني: "جابر بن إسماعيل"، وهو تصحيف، والصحيح: حاتم بن إسماعيل، كما عند الطحاوي والبيهقي.
فهذا الطريق إذا انضم إلى الذي قبله قوي الحديث عن سهل بن سعد، والله أعلم.
الشاهد الثاني: حديث عائشة:
أخرجه أبو يعلى في مسنده، قال: حدثنا الحماني، حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي ﷺ قال: الماء لا ينجسه شيء.
وفي هذا الإسناد الحماني:
قال أحمد: ما زلنا نعرف أنه يسرق الأحاديث أو يتلقفها أو يتلقطها، وقال: قد طلب وسمع، ولو اقتصر على ما سمع لكان له فيه كفاية، فالحماني حافظ مجروح، لكنه لم ينفرد به، فقد رواه الطبري في تهذيب الآثار (2/709) والبزار في مسنده كما في كشف الأستار (1/132) والطبراني في الأوسط (2114) من طريق أبي أحمد الزبيري، ثنا شريك به.
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن المقدام إلا شريك.
قال الحافظ في المطالب العالية (1): إسناده حسن؛ فإن الحماني لم ينفرد به. والحق أن إسناده ضعيف، والحماني وإن توبع، فإن ضعفه من قبل شريك، فقد تفرد به.
وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (1/214): رجاله ثقات، بعد أن عزاه للبزار وأبي يعلى والطبراني في الأوسط - فيه نظر؛ للعلة نفسها؛ فإن شريكًا قد تفرد عندهم بهذا الحديث.
وقد رواه شريك كما سبق من مسند أبي سعيد وشك فيه، فتارة يجزم به عنه، وتارة يشك فيه عن أبي سعيد أو جابر، وتارة يجزم به عن جابر، وهنا جعله من مسند عائشة، وهذا التخليط إنما جاء من قبل سوء حفظه - رحمه الله - فلا يقبل ما تفرد به، والله أعلم.
ورواه أحمد من طريق آخر بسند صحيح إلا أنه موقوف على عائشة، قال أحمد (6/172) ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن يزيد الرشك، عن معاذة، قالت: سألت عائشة عن الغسل من الجنابة، فقالت: إن الماء لا ينجسه شيء، قد كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد، يبدأ فيغسل يديه.
الشاهد الثالث: حديث ابن عباس:
ما رواه أحمد (1/235) قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة،
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: الماء لا ينجسه شيء.
ومداره على سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس.
ورواه عن سماك جمع، منهم: سفيان الثوري، وشعبة، وحماد بن سلمة، وأبو الأحوص، وشريك، وغيرهم، وإليك بيانها:
الأول: سفيان الثوري، عن سماك.
أخرجه عبدالرزاق (396) قال: عن الثوري، عن سماك بن حرب، عن عكرمة،
عن ابن عباس أن امرأة من نساء النبي ﷺ استحمت من جنابة، فجاء النبي ﷺ فتوضأ من فضلها، فقالت: إني اغتسلت منه، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء.
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه أحمد (1/284)، وابن الجارود (49) والطبراني (11714)، والبيهقي (1/267).
ورواه أحمد (1/235)، والنسائي (325)، وابن خزيمة (109)، وابن حبان (1242)، والحاكم (1/195) من طرق عن ابن المبارك عن سفيان به.
وأخرجه الدارمي (734)، وابن الجارود في المنتقى (48)، والبيهقي (1/188) من طريق عبيدالله بن موسى، عن سفيان به.
ورواه الطحاوي (1/26) وابن خزيمة (109) من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان به.
ورواه أحمد (1/308) حدثنا عبدالله بن الوليد، قال: حدثنا سفيان به، ومن طريق عبدالله بن الوليد أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/286).
ورواه أحمد (1/235، 308) عن وكيع. ومن طريق وكيع أخرجه ابن ماجه (371)، وابن خزيمة (109) إلا أن وكيعًا رواه عن سفيان واختلف عليه، فرواه أحمد عن وكيع من حفظه موصولاً، ورواه أحمد عن وكيع من مصنفه مرسلاً.
قال الإمام أحمد (1/308) حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: ((الماء لا ينجسه شيء)).
قال أبي في حديثه: حدثنا به وكيع في المصنف، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة، ثم جعله بعد عن ابن عباس.
قال أحمد شاكر: هذا بيان للإسناد السابق، يريد الإمام أن يوضح أن شيخه وكيع بن الجراح حدثه بالحديثين على وجهين: حدثه به في كتابه المصنف، عن عكرمة مرسلاً، ثم حدثه به بعد ذلك متصلاً، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وقد رواه غير وكيع عن سفيان مرفوعًا كما تقدم من رواية ابن المبارك وعبدالرزاق وعبدالله بن الوليد وعبيدالله بن موسى وأبي أحمد الزبيري.
ولعل هذا ما جعل الإمام أحمد يقول: أتقيه لحال سماك، وليس أحد يرويه غيره، وقال: هذا فيه اختلاف شديد، بعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه. تنقيح التحقيق (1/220).
وكما اختلف على وكيع في وصله وإرساله، اختلف فيه على شعبة أيضًا - كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند الكلام على طريق شعبة.
الثاني: أبو الأحوص، عن سماك:
رواه ابن أبي شيبة (1/38) رقم 353، ومن طريقه ابن ماجه (370) قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي ﷺ في جفنة، فجاء رسول الله ﷺ ليغتسل منها أو ليتوضأ، فقالت: يا رسول الله، إني كنت جنبًا، فقال النبي ﷺ: إن الماء لا يجنب.
ورواه أبو داود (68) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (1/89، 267)، قال: حدثنا مسدد، قال: ثنا أبو الأحوص به.
ورواه الترمذي (65) قال: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص به. ومن طريق قتيبة بن سعيد أخرجه ابن حبان في صحيحه (1261، 1269).
ورواه ابن حبان في صحيحه (1241) عن أبي معمر القطيعي، حدثنا أبو الأحوص به.
ورواه ابن حبان أيضًا (1248) من طريق عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص به.
الثالث: حماد بن سلمة، عن سماك:
أخرجه الطبراني في الكبير (11/274) رقم 11715 قال: حدثنا بشر بن موسى، ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب به.
الرابع: شريك، عن سماك:
أخرجه أحمد (1/337) قال: ثنا حجاج، أن شريكًا حدثه، عن سماك، عن عكرمة،
عن ابن عباس، قال: أجنب النبي ﷺ وميمونة، فاغتسلت ميمونة في جفنة، وفضلت فضلة، فأراد النبي ﷺ أن يغتسل منها، فقالت: يا رسول الله، إني قد اغتسلت منه، فقال - يعني النبي ﷺ: إن الماء ليست عليه جنابة، أو قال: إن الماء لا ينجس.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (1625)، ومن طريقه أخرجه أحمد (6/330)، والدارقطني (1/53)، عن شريك به.
وأخرجه أحمد (3/330) من طريق هاشم بن القاسم عن شريك به.
ورواه أبو يعلى (7098) قال: حدثنا أبو عامر عبدالله بن عامر، حدثنا إسحاق بن منصور السلولي، حدثنا شريك به.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/18) قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، ثنا عصمة بن سليمان الخزاز، حدثنا شريك به.
ورواه الطبراني أيضًا (23/425) من ثلاثة طرق، عن شريك به.
واختلف على شريك، فرواه عنه من سبق من مسند ابن عباس، ورواه ابن الجعد في مسنده (2333) قال: أنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة قالت: أجنبت أنا ورسول الله ﷺ فاغتسلت من جفنة، وفضلت فيها فضلة، فجاء النبي ﷺ ليغتسل منها، قلت: قد اغتسلت منها، فاغتسل، وقال: إن الماء ليس عليه جنابة. فجعله من مسند ميمونة. وهذا من قبل شريك؛ لأنه سيئ الحفظ.
جاء في العلل لابن أبي حاتم (1/43): سألت أبا زرعة عن حديث رواه سفيان، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن بعض أزواج النبي ﷺ اغتسلت من جنابة، فجاء النبي ﷺ فقالت له، فتوضأ بفضلها، وقال: إن الماء لا ينجسه شيء.
ورواه شريك عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة، فقال: الصحيح عن ابن عباس، عن النبي ﷺ بلا ميمونة. اهـ
قال الدارقطني: اختلف في هذا الحديث على سماك، ولم يقل فيه: عن ميمونة، غير شريك.
الخامس: يزيد بن عطاء، عن سماك:
وأخرجه الدارمي (735) قال: أخبرنا يحيى بن حسان، ثنا يزيد بن عطاء، عن سماك به، إلا أنه قال: إنه ليس على الماء جنابة، بدلاً من قوله: إن الماء لا ينجسه شيء. اهـ
السادس: حصين، عن عكرمة:
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/132) قال: حدثنا هشيم، عن حصين، عن عكرمة قال: الماء طهور لا ينجسه شيء، فهنا أوقفه حصين على عكرمة، لكن إسناده ضعيف؛ لأن هشيمًا قد عنعن، وهو مدلس.
لكن أخرجه ابن الجعد في مسنده (2998) قال: أنا أبو جعفر، عن حصين، قال: سألت عكرمة عن الحمام يدخله الجنب واليهودي والنصراني والمجوسي ونحو ذلك، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء. فهنا تابع أبو جعفر هشيمًا في وقفه على عكرمة.
السابع: شعبة، عن سماك:
أخرجه ابن خزيمة (91) قال: نا أحمد بن المقدام العجلي ومحمد بن يحيى القطعي، قال: حدثنا محمد بن بكر، نا شعبة به.
ومن طريق شعبة أخرجه البزار كما في كشف الأستار (1/35)، والحاكم في المستدرك (1/159).
وقال ابن عبدالبر في التمهيد (1/332، 333): "رواه جماعة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، منهم شعبة والثوري، إلا أن جل أصحاب شعبة يروونه عنه، عن سماك، عن عكرمة مرسلاً، ووصله عنه محمد بن بكر، وقد وصله جماعة عن سماك، منهم الثوري، وحسبك بالثوري حفظًا وإتقانًا، ثم ساق الحديث بإسناده من طريق وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس وذكر الحديث، ثم قال: وهكذا رواه أبو الأحوص وشريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا، وكل من أرسل هذا الحديث فالثوري أحفظ منه، والقول فيه قول الثوري ومن تابعه على إسناده. اهـ
قلت: أيضًا روي مرسلاً من طريق وكيع، عن سفيان، وسبق الكلام عليه.
الطريق الثامن: إسرائيل، عن سماك:
أخرجه عبدالرزاق (497) عن إسرائيل، عن عكرمة به. كذا في المطبوع، والظاهر أنه سقط من إسناده سماك؛ لأن إسرائيل ليست له رواية عن عكرمة، وإنما يروي عن سماك، والله أعلم.
وعلته رواية سماك عن عكرمة، قال علي بن المديني: رواية سماك عن عكرمة مضطربة. تهذيب الكمال (12/115).
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (ص: 440) رقم 2016: سمعت أحمد قال: قال شريك: كانوا يلقنون سماكًا أحاديثه عن عكرمة، يلقنونه عن ابن عباس، فيقول: عن ابن عباس. اهـ
وقال يعقوب: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح وليس من المتثبتين، ومن سمع من سماك قديمًا مثل شعبة وسفيان، فحديثهم عنه صحيح مستقيم. المرجع السابق.
وقال الحافظ: وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة؛ لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه شعبة، عن سماك، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. اهـ فتح الباري (1/300).
قال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان يلقن فيتلقن. تهذيب التهذيب (4/204).
وقال العجلي: سماك بن حرب البكري كوفي تابعي جائز الحديث، وكان له علم بالشعر، وأيام الناس، وكان فصيحًا إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء عن ابن عباس، وربما قال: قال النبي ﷺ وإنما كان عكرمة يحدث عن ابن عباس، وكان سفيان الثوري يضعفه بعض الضعف، وكان جائز الحديث، لم يترك حديثه أحد، ولم يرغب عنه أحد. معرفة الثقات (1/436).

⟦21⟧ صحيح البخاري (1265) ومسلم (1206).

⟦22⟧ صحيح البخاري (1253) ومسلم (939).

⟦23⟧ مجموع الفتاوى (21/26).

⟦24⟧ مسند أحمد (6/341، 342).

⟦25⟧ رجاله ثقات، وعبدالملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (242) وفي الصغرى (240) قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبدالرحمن - يعني ابن مهدي - قال: حدثنا إبراهيم بن نافع به.
ومن طريق محمد بن بشار أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/15).
وأخرجه ابن ماجه (378) حدثنا أبو عامر الأشعري عبدالله بن عامر، ثنا يحيى بن بكير، ثنا إبراهيم بن نافع به.
وأخرجه البيهقي (1/7) وابن سعد في الطبقات الكبرى (8/137) من طريق أبي عامر، عن إبراهيم بن نافع به.
وأخرجه الطبراني في الكبير (24/430) رقم 1051 من طريقين عن يحيى بن بكير، عن إبراهيم بن نافع به.
وقد توبع مجاهد، عن أم هانئ، تابعه عطاء، والمطلب بن عبدالله بن حنطب، ويوسف بن ماهك، وأبو مرة مولى عقيل، وقيل: مولى أم هانئ.
أما طريق عطاء، عن أم هانئ:
فقد أخرجه النسائي (415) قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن محمد، قال: حدثنا محمد بن موسى بن أعين، قال: حدثنا أبي، عن عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطاء، قال:
حدثتني أم هانئ أنها دخلت على النبي ﷺ يوم فتح مكة، وهو يغتسل، قد سترته بثوب دونه في قصعة فيها أثر العجين، قالت: فصلى الضحى، فما أدري كم صلى حين قضى غسله.
في إسناده: محمد بن موسى بن أعين، روى عنه جماعة.
ذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (9/64) ولم يوثقه من المتقدمين أحد غيره.
روى له البخاري حديثًا واحدًا من طريقه، عن أبيه، حدثنا عمرو بن الحارث، عن عبيدالله بن أبي جعفر، أن محمد بن جعفر حدثه، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه.
ثم قال البخاري: تابعه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن أبي جعفر.
وقال الذهبي: ثقة. الكاشف (5174).
وفي التقريب: صدوق.
وفيه أيضًا عبدالملك بن أبي سليمان، جاء في ترجمته:
قيل لشعبة: ما لك لا تحدث عن عبدالملك بن أبي سليمان وكان حسن الحديث؟ قال: من حسنها فررت. انظر الجرح والتعديل (5/366)، والضعفاء للعقيلي (3/31).
وعن أبي بكر بن خلاد، قال: سمعت يحيى يقول عن عبدالملك بن سليمان: فيه شيء مقطع يوصله، أو موصل يقطعه. الضعفاء للعقيلي (3/31).
وقال يحيى بن معين أيضًا: ضعيف. كما في رواية إسحاق بن منصور عنه. الجرح والتعديل (5/366).
وسئل يحيى مرة: عبدالملك بن أبي سليمان أحب إليك أو ابن جريج؟ فقال: كلاهما ثقتان. كما في رواية عثمان بن سعيد عنه. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: لا بأس به. انظر المرجع السابق.
وقال الخطيب: قد أساء شعبة في اختياره حيث حدث عن محمد بن عبيدالله العرزمي وترك التحديث عن عبدالملك بن أبي سليمان؛ لأن محمد بن عبيدالله لم تختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأما عبدالملك فثناؤهم عليه مستفيض، وحسن ذكرهم له مشهور. تاريخ بغداد (10/393).
وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا ثبتًا. انظر الطبقات (6/350).
وقال ابن عمار الموصلي: ثقة ثبت في الحديث.
وقال الترمذي: ثقة مأمون لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة.
وقال الثوري: حفاظ الحديث أربعة، فذكره منهم. وسماه هو وابن المبارك: الميزان. انظر تهذيب التهذيب (6/352).
وفي التقريب: صدوق له أوهام. والحق أنه ثقة، فقد وثقه أحمد، ويحيى بن معين، والنسائي، وابن سعد، والترمذي، وابن عمار الموصلي، والثوري وابن المبارك والدارقطني. وأخذ عليه وهمه في حديث الشفعة، ثم ماذا؟ ومن الذي لا يهم؟ ولذلك لم يمنع هذا الوهم من أن يوثقه الأئمة. قال يحيى بن معين عندما سئل عن حديث الشفعة، قال: هو حديث لم يحدث به إلا عبدالملك، وقد أنكره الناس عليه، ولكن عبدالملك ثقة صدوق لم يرد على مثله.
وقال أحمد: هذا حديث منكر - يعني: حديث الشفعة - وعبدالملك ثقة. انظر تهذيب التهذيب (6/352).
فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى، وعبدالملك بن أبي سليمان قد توبع، تابعه ابن جريج.
فقد أخرج عبدالرزاق في المصنف (4857) عن ابن جريج، قال: أخبرنا عطاء، عن أم هانئ بنت أبي طالب، أنها دخلت على رسول الله ﷺ يوم الفتح، وهو في قبة له، فوجدته قد اغتسل بماء كان في صحفة إني لأرى فيها أثر العجين، ورأيته يصلي الضحى.
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه أحمد (6/341)، والطبراني في الكبير (24/427)، وابن حزم في المحلى (1/200). وهذا السند رجاله كلهم ثقات، وابن جريج قد صرح بالتحديث، وهو مكثر عن عطاء، فلا تضر عنعنته، والله أعلم.
فهذه متابعة قوية لعبدالملك بن أبي سليمان في روايته عن عطاء.
وأما طريق المطلب بن حنطب، عن أم هانئ:
فقد أخرجها عبدالرزاق (4860)، عن معمر، عن ابن طاوس، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن أم هانئ قالت: نزل رسول الله ﷺ يوم الفتح بأعلى مكة، فأتيته، فجاءه أبو ذر في جفنة فيها ماء قالت: إني لأرى فيها أثر العجين، قالت: فستره أبو ذر، فاغتسل ثم ستر النبي ﷺ أبا ذر فاغتسل، ثم صلى ثماني ركعات، وذلك ضحى.
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه الإمام أحمد (6/341) والطبراني في الكبير (24/426)، وابن خزيمة (1/119)، والبيهقي (1/8)، وابن حزم (1/200).
وليس عند أحمد: "ثم ستر النبي ﷺ أبا ذر فاغتسل".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/269): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وهو في الصحيح خلا قصة أبي ذر، وستر كل واحد منهما الآخر.
والمطلب بن حنطب: قال الحافظ في التقريب: صدوق كثير التدليس والإرسال.
قلت: لم أجد أحدًا نص على تدليسه سوى الحافظ في التقريب، ولم يذكر ذلك عنه في التهذيب، ولا في تعريف أهل التقديس، ولم يذكر ذلك عنه المزي في تهذيب الكمال، والله أعلم.
نعم لم يلق المطلب أم هانئ، فروايته عنها من قبيل الإرسال، والإرسال ليس من التدليس عند ابن حجر، وكثيرًا ما يخلط بينهما.
قال الترمذي في سننه (2916): قال محمد - يعني: البخاري - لا أعرف للمطلب بن عبدالله سماعًا من أحد من أصحاب النبي ﷺ إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي ﷺ قال: وسمعت عبدالله بن عبدالرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب النبي ﷺ..... إلخ.
وقال محمد بن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل عن النبي ﷺ كثيرًا، وليس له لقي، وعامة أصحابه يدلسون. الطبقات الكبرى (5/332).
وقال أبو حاتم في روايته عن عائشة: مرسل، ولم يدركها، وقال في روايته عن جابر: يشبه أن يكون أدركه، وقال في روايته عن غيره من الصحابة: مرسل، وعامة حديثه مراسيل، غير أني رأيت حديثًا يقول فيه: حدثني خالي أبو سلمة. اهـ الجرح والتعديل (8/359).
وفي هذا الحديث أن أبا ذر هو الذي كان يستر النبي ﷺ وقد جاء في الصحيحين أن فاطمة هي التي كانت تستره.
وجمع بينهما الحافظ في الفتح (3/64) بأن ذلك تكرر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ، وفيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل، وفي رواية أبي مرة عنها أن فاطمة بنته هي التي سترته. اهـ
قلت: ليس في صحيح ابن خزيمة من طريق مجاهد عنها أن أبا ذر ستر النبي ﷺ إنما جاء عنده ذلك من طريق المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن أم هانئ.
ورواية مجاهد عنها أخرجها ابن خزيمة (1/119، 120) وفيها أن النبي ﷺ اغتسل وميمونة من قصعة فيها أثر العجين، وهي بلفظها عند أحمد (6/341)، والنسائي (1/131) وابن ماجه (378)، وسبق تخريجها.
ومما يبعد تكرار ذلك أنها قالت عند مسلم (81-336): فلم أرَه سبحها قبل ولا بعد.
قال الحافظ: "ويحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل، والآخر في أثنائه".
قلت: تفرد بذكر أبي ذر في ستره للنبي ﷺ المطلب بن عبدالله بن حنطب، وهو لم يسمع من أم هانئ، وعليه فيكون ضعيفًا، وما في الصحيحين مقدم عليه، ولا أرى داعيًا للتكلف بالجمع بين الحديثين ما دام أن أحدهما ضعيف، والله أعلم.
وأما طريق يوسف بن ماهك:
فقد رواه أحمد (6/424) قال: "ثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا زهير عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، قال: حدثني يوسف بن ماهك، أنه دخل على أم هانئ بنت أبي طالب، فسألها عن مدخل رسول الله ﷺ يوم الفتح، فسألها: هل صلى عندك النبي ﷺ؟ قالت:
دخل في الضحى، فسكبت له في صحفة لنا ماء إني لأرى فيها وضر العجين، قال يوسف: ما أدري أي ذلك أخبرتني أتوضأ أم اغتسل؟ ثم ركع في هذا المسجد - مسجد في بيتها - أربع ركعات.
وأخرجه الطبراني (24/428) من طريق عمرو بن خالد الحراني ثنا زهير بن معاوية به.. وأخرجه أيضًا (24/429) من طريق يحيى بن سليمان عن عبدالله بن عثمان بن خثيم به.
فمدار هذا الإسناد على عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن يوسف بن ماهك، عن أم هانئ.
وعبدالله بن عثمان بن خثيم جاء في ترجمته:
قال يحيى بن معين: ثقة حجة.
وقال أيضًا: أحاديثه ليست بالقوية، كما في رواية عبدالله بن الدورقي عنه. الكامل (4/161)، تهذيب التهذيب (5/275).
وقال أبو حاتم الرازي: ما به بأس، صالح الحديث. الجرح والتعديل (5/111).
وقال النسائي: ثقة. تهذيب الكمال (15/279).
وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وإنما خرجت هذا لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير، وما كتبناه إلا عن إسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خثيم ولا عبدالرحمن، إلا أن علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث، وكأنَّ عليًّا خلق للحديث. سنن النسائي (5/248).
وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث حسنة. الطبقات (5/487).
وقال ابن عدي: هو عزيز، وأحاديثه حسان، مما يجب أن يكتب. الكامل (4/161).
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (2/281).
وقال العجلي: مكي ثقة. ثقات العجلي (2/46).
وقال ابن حبان: كان من أهل الفضل والنسك والفقه. مشاهير علماء الأمصار (1/87).
وذكره ابن حبان في الثقات. ثقات ابن حبان (5/34).
وفي التقريب: صدوق. فالإسناد حسن إن شاء الله، وهو صحيح لغيره، إلا أن قوله: "فصلي أربع ركعات" مخالف لما في الصحيحين وغيرهما من أن الرسول ﷺ صلى ثماني ركعات، إلا إن كان المقصود بأربع ركعات إطلاق الركعة على التسليمة فيكون موافقًا لما في الصحيحين.
وقد اختلف في عدد الركعات التي صلاها رسول الله ﷺ يوم الفتح، هل هي اثنتان أم أربع أم ست أم ثمان؟
ورواية الصحيحين، وهي رواية الأكثر، أنها ثمان. وليس هذا موضع تحريرها؛ لأن البحث في اغتسال النبي ﷺ من قصعة فيها أثر العجين.
وأما رواية أبي مرة مولى عقيل، عن أم هانئ:
فرواه عنه جماعة، منهم سعيد بن أبي هند، والمقبري، وأبو النضر، وميمون بن ميسرة، وغيرهم.
أما رواية سعيد بن أبي هند، فأخرجها ابن أبي شيبة (7/407) رقم 36928 حدثنا عبدالرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أم هانئ بنت أبي طالب، قالت: لما افتتح رسول الله ﷺ مكة فر إليَّ رجلان من أحمائي من بني مخزوم، قالت: فخبأتهما في بيتي، فدخل علي أخي علي بن أبي طالب، فقال: لأقتلنهما. قالت: فأغلقت الباب عليهما، ثم جئت رسول الله ﷺ بأعلى مكة، وهو يغتسل في جفنة إن فيها أثر العجين، وفاطمة ابنته تستره، فلما فرغ رسول الله ﷺ من غسله، أخذ ثوبًا فتوشح به، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى، ثم أقبل فقال: ((مرحبًا وأهلاً بأم هانئ، ما جاء بك؟))، قالت: قلت: يا نبي الله، فر إلي رجلان من أحمائي، فدخل عليَّ علي بن أبي طالب فزعم أنه قاتلهما، فقال: ((لا، قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وأمنا من أمنت)).
وهذا إسناد حسن، وابن إسحاق قد صرح بالتحديث عند الطحاوي وغيره.
ومن طريق عبدالرحيم بن سليمان أخرجه الطبراني في الكبير (24/420) رقم 1020 من طريق الحماني، عن عبدالرحيم.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/323) من طريق عبدالله بن إدريس، حدثني محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن أبي هند.
وأخرجه ابن بشكوال (1/142) من طريق زياد بن عبدالله البكائي، ثنا محمد بن إسحاق به، وقد صرح بالتحديث.
وأما طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة:
فأخرجه أحمد (6/323، 324) قال: ثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي مرة مولى عقيل، عن أم هاني قالت: أتيت رسول الله ﷺ وهو بأعلى مكة، فلم أجده ووجدت فاطمة، فجاء رسول الله ﷺ، وعليه أثر الغبار، فقلت: يا رسول الله، إني قد أجرت حموين لي، وزعم ابن أمي أنه قاتلهما، قال: ((قد أجرنا من أجرت))، ووضع له غسل في جفنة، فلقد رأيت أثر العجين فيها، فتوضأ، أو قال: اغتسل - أنا أشك - وصلى الضحى في ثوب مشتملاً به.
وتابع الحميدي في مسنده الإمام أحمد (331) في روايته عن سفيان به.
وأخرجه ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/141) من طريق الحميدي به.
وأخرجه ابن عبدالبر في الاستذكار (6/137) من طريق سفيان به.
وأخرجه البيهقي (1/8) من طريق سفيان به؛ لكنه قال فيه: عن ابن عجلان عن رجل عن أبي مرة مولى عقيل.
وابن عجلان صدوق، وهو وإن كانت اختلطت عليه أحاديث سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة بأحاديث سعيد المقبري عن أبي هريرة، إلا أنه قد توبع هنا؛ فقد تابعه ابن أبي ذئب، عن المقبري، فقد أخرجه أحمد (6/341) ثنا زيد بن الحباب، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري به.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/323) من طريق بشر بن عمر الزهراني، ثنا ابن أبي ذئب به.
وأما طريق ميمون بن ميسرة، عن أم هانئ، فأخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/76) رقم 4861 عن مالك، عن ميمون بن ميسرة، عن أم هانئ به.
وأما طريق إبراهيم بن عبدالله بن حنين، عن أبي مرة، فأخرجه أحمد (6/342) حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد - يعني ابن عمرو - عن إبراهيم بن عبدالله بن حنين، عن أبي مرة به. وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات إلا محمد بن عمرو، وهو صدوق.
وأما طريق أبي النضر سالم بن أبي أمية، فأخرجه أحمد (6/344) حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن مالك، عن أبي النضر، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب به. وسنده صحيح.

⟦26⟧ مجموع الفتاوى (21/27، 28).

⟦27⟧ صحيح البخاري (859)، ومسلم (186 - 763).

⟦28⟧ البخاري (3571)، ومسلم (312، 682).

⟦29⟧ المغني (1/21).

⟦30⟧ المائدة: 6.

⟦31⟧ التمهيد (16/221).

⟦32⟧ الإنصاف (1/22).

⟦33⟧ نيل المآرب شرح دليل الطالب (1/39).
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *