تنبيه: لم يكتمل رفع المادة العلمية للشيخ، والعمل جارٍ على ذلك.
الماء المتغير بطول مكثه
إذا طال ركود الماء في المكان، تغير إما في لونه أو طعمه أو ريحه، ويسمى: الماء الآجن والآسن.
فذهب الأئمة الأربعة:
إلى أنه ماء مطلق، طهور غير مكروه[1].
وقيل: يكره استعماله.
وهو وجه في مذهب الحنابلة[2].
الدليل على طهورية الماء الآجن:
أولاً: الإجماع على طهوريته:
قال ابن المنذر:
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوضوء بالماء الآجن الذي قد طال مكثه في الموضع من غير نجاسة حلت فيه، جائزة، إلا شيئًا يروى عن ابن سيرين[3].
وقال ابن تيمية:
أما ما تغير بمكثه ومقره، فهو باقٍ على طهوريته باتفاق العلماء[4].
وأما ما رواه ابن أبي شيبة:
قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا ابن عون،ىعن ابن سيرين أنه كان يكره الوضوء بالماء الآجن [5].
[وسنده صحيح][6].
فلعل المقصود أن نفسه تكرهه؛ لأنه منتن الرائحة، لا أنها كراهة شرعية، والله أعلم.
ثانيًا: لأن تغيره جاء من غير مخالطة، فلم يخالطه شيء لا طاهر ولا نجس، والماء طهور في نفسه حتى تخالطه الأخباث العارضة، وهذا ما لم يحصل في الماء الآجن.
وأما ما يروى عن النبي ﷺ وأنه توضأ بماء آجن:
فهذا الحديث يذكره الفقهاء كصاحب المبدع، والروض، ولا يذكرون من خرجه، ولم أجده في كتب السنة من السنن والمسانيد والمعاجم، وقد ذكر ابن قاسم النجدي في حاشيته بأنه رواه البيهقي، وبالرجوع إلى البيهقي لم أجده بهذا اللفظ، وإليك ألفاظه:
فقد روى البيهقي، قال: حدثنا أبو عبدالله الحافظ، أنبأ أبو جعفر محمد بن عبدالله البغدادي، ثنا محمد بن عمرو بن خالد، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود، عن عروة في قصة أحد وما أصاب النبي ﷺ في وجهه، قال: وسعى علي بن أبي طالب إلى المهراس، فأتى بماء في مجنة، فأراد رسول الله ﷺ أن يشرب منه، فوجد له ريحًا، فقال رسول الله ﷺ: ((هذا ماء آجن))، فمضمض منه، وغسلت فاطمة عن أبيها الدم[7].
[ضعيف][8].
وروى البيهقي أيضًا، قال:
أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، ثنا أبو العباس بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبدالجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني من لا أتهم، عن عبيدالله بن كعب بن مالك، قال: فلما انتهى رسول الله ﷺ إلى فم الشعب، خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس، ثم جاء به إلى رسول الله ﷺ ليشرب منه، فوجد له ريحًا، فعافه، فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه، وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه ﷺ[9].
[إسناده ضعيف][10].
وقال ابن المنذر:
احتج إسحاق بحديث روي عن الزبير بن العوام، قال إسحاق: أنا وهب بن جرير، ثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ مصعدين في أحد، قال: ثم أمر رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب فأتى المهراس، فأتى بماء في درقته، فأراد رسول الله ﷺ أن يشرب منه، فوجد له ريحًا، فعافه، فغسل به الدماء التي في وجهه، وهو يقول: اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله ﷺ، وكان الذي أدمى وجه رسول الله ﷺ يومئذ عتبة بن أبي وقاص.
قال إسحاق:
ففي ذلك بيان على أنه طاهر، ولولا ذلك لم يغسل النبي ﷺ الدم به[11].
[إسناده صحيح].
وإذا ثبت أنه ليس بنجس، فإنه طهور؛ لأن الماء إما طهور وإما نجس، ولا ثالث لهما كما تبين في الخلاف السابق عند الكلام على أقسام الماء، والله أعلم.
--------------------------------
⟦1⟧ انظر في مذهب الحنفية: البحر الرائق (1/71)، الفتاوى الهندية (1/21)، حاشية ابن عابدين (1/186) المبسوط (1/72) بدائع الصنائع (1/15).
وانظر في مذهب المالكية: أحكام القرآن لابن العربي (3/440، 441)، شرح الخرشي (1/68)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/33)، جواهر الإكليل (1/78).
وانظر في مذهب الشافعية: الأم (1/20)، المجموع (1/221)، أسنى المطالب (1/8)، تحفة المحتاج (1/70).
وفي مذهب الحنابلة انظر: المغني (1/26)، الفتاوى الكبرى (1/214)، الفروع (1/73)، الإنصاف (1/22)، كشاف القناع (1/26)
⟦2⟧ الإنصاف (1/22).
⟦3⟧ الأوسط (1/259).
⟦4⟧ الفتاوى الكبرى (1/6)، وحكاه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/36)، وحكى الإجماع ابن مفلح في المبدع (1/36).
⟦5⟧ المصنف (1/46) رقم 458.
⟦6⟧ ورواه أبو عبيد في كتاب الطهور (ص: 310).
⟦7⟧ سنن البيهقي (1/269).
⟦8⟧ وهذا فيه علتان:
الأولى: أنه مرسل.
والثانية: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف وسيأتي - إن شاء الله - بيان ابن لهيعة وأنه ضعيف مطلقًا قبل احتراق كتبه وبعدها.
⟦9⟧ سنن البيهقي (1/269).
⟦10⟧ وهذا فيه علتان أيضًا:
الأولى: كونه مرسلاً.
الثانية: فيه رجل مبهم، ومع ذلك اختلف فيه على ابن إسحاق.
قال البيهقي: هكذا رواه يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن وهب بن جرير عن أبيه عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، وهو إسناد موصول. اهـ كلام البيهقي.
⟦11⟧ الأوسط لابن المنذر (1/260).
